خلفت الدولة العثمانية تاريخا مظلما وإرثا دمويا لا يزال عالقا في ذاكرة الليبيين خلال فترة حكمهم لليبيا، حيث ارتكب جنود العصملي مجازر وحشية ترسخت في أذهان الشعب الليبي، ومن أبرزها مذبحة الجوازي التي ارتكبها والي العثمانيين قبل نحو 200 عام في برقة بشرق ليبيا، وراح ضحيتها نحو 10 آلاف فرد من قبيلة الجوازي، على يد الحاكم العثماني وقتها القره مانلي.

5 سبتمبر

ارتكب جنود الدولة العثمانية مذبحة قبيلة الجوازي في 5 سبتمبر من العام 1817، وتحتفل القبيلة سنوياً بإحياء ذكرى ضحاياها، حين دبر العثمانيون المذبحة ونفذوها في شهر رمضان وذبحوا الآلاف من أبناء القبيلة، وذلك بسبب الخلاف الكبير بين الوالي العثماني يوسف باشا القره مانلى وابنه محمد، بعد هروب الابن لعدة أشهر خوفا من بطش أبيه، فاحتضنته قبيلة الجوازي القوية والمعروف عنها الكرم حتى انتهى الخلاف بين الأب وابنه.

تفاصيل القصة

خطط الوالي العثماني للقضاء على القبيلة التي دعمت انقلاب ابنه، فدعى كبار شيوخ القبيلة إلى قصره للمصالحة، وأعطاهم الأمان ووعدهم بتخفيض الضرائب المفروضة عليهم، لذا توافد 45 شيخاً من شيوخ ووجهاء القبيلة للقصر وتحصنوا أمامه، وبرفقتهم المئات من أفراد القبيلة لحمايتهم من أي مكر أو خديعة، واتجهوا إلى قلعة الوالي العثماني في مدينة بنغازي، وبعد دخول شيوخ القبيلة شهر الحراس سيوفهم لتنفيذ حكم الذبح والقتل الصادر عن الوالي العثماني بحق شيوخ القبيلة جميعهم، وأجهز الحراس على شيوخ الجوازي.

مجزرة

يقول الطبيب الإيطالي باولو ديلا شيلا، الذي كان مرافقا للحملة التي قام بها جند يوسف باشا القره مانلي بقيادة ابنه الثاني أحمد لتأديب ابنه الأكبر محمد بك، «أخبار الحملة العسكرية التي خرجت من طرابلس إلى برقة في عام 1817» وهي عبارة عن رسائل كان يبعث بها للحكومة الإيطالية عن أوضاع ليبيا: «وفي الخامس من سبتمبر من العام 1817 دخل شيوخ الجوازي بنغازي في حفل بهيج وكان عددهم 45 شيخا، واتجهوا إلى القصر حيث وجدوا الوالي نفسه في استقبالهم بوجه بشوش ضاحك وهو يداعب في كلمات ضاحكة هذا أو ذلك منهم وأدخلوا القصر، وما أن دخلوا حتى قدمت لهم القهوة وتفضل الباى نفسه باحتسائها معهم مما أدى إلى اطمئنانهم وتخليهم عن الحذر والحيطة وإقبالهم على المصالحة بقبول مفتوحة، وفجأة تدافع إلى القاعة من الحجرات المجاورة مماليك الباى بسيوفهم المشهورة فانقضوا على الشيوخ، وقتلوهم في الحال، ومن حاول الدفاع عن نفسه اقتيد إلى حجرة مجاورة ومنها أخرجوا واحدا واحدا حيث كان كل منهم يقتل صبرا، والقلائل الذين تمكنوا من الإفلات والفرار قتلوا رميا بالرصاص من بنادق الجند التي أطلقت على من فر منهم إلى أعالي القصر ليرمي نفسه من نوافذه وشرفاته، ومن نجا من الطلقات تلقته سيوف وخناجر الحرس المحيط بالقصر لتنهي حياته في وحشية وفظاعة».

الأرشيف الليبي

- يحتفظ بوثيقة خطية عن واقعة إعدام شيوخ الجوازي في قصر بنغازي

- كتبها الفقيه أحمد بن محمد الشنقيطي المغربي

- ذكر فيها واقعة إعدام شيوخ القبيلة المغدورين على يد جنود الوالي العثماني يوسف القرمانلي

- دون فيها جميع أسماء الشيوخ الذين تم اغتيالهم في ذلك اليوم