كل أزمة مهما كانت قاسية لها دروس مهمة، وهناك فوائد عديدة لاستنباط الدروس.

يقال «مفتاح التعامل مع أي أزمة هو العثور على الدرس المرتبط بتلك التجربة»، المملكة العربية السعودية ممثلة في القيادة العليا الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد، تعاملت بكل احترافية وإنسانية ودعم في الأزمة، وهذا أقوله لست فقط كسعودي، لكن ما شعرت به ولمسته من الآخرين أو المجتمع الدولي، ولو لم يكن هذا هو الشعور العام للآخرين حول العالم، لوجدت الإعلام العالمي -الذي بعضه يتصيد الزلة- يصنع الزلات لمهاجمة السعودية. أعتقد أن السعوديين بشكل عام والدبلوماسيين بشكل خاص صار لديهم مثال قوي وحجة ثابتة لاستخدامه في المناقشات حول حكمة السعودية السياسية والإنسانية في المجتمع والإعلام الدولي، خصوصا أن أداء كثير من الدول الغربية كان مخيبا، وفي الأزمات تظهر معادن الدول وحكمة قياداتها.

كثير من الإدارات الحكومية أبلت بلاء حسنا في هذه الأزمة، ونحن نفتخر بها ونشكر مجهوداتها، وهناك البعض لم يكن أداؤه بالشكل المأمول.

هناك مقولة لديف بيلزر يقول «هناك شيء جيد يخرج من كل أزمة». ولنبدأ بالزين، والحمد لله كثير كانوا جميلين، لكن سأتكلم عن إدارتين كمثال وليس حصرا، كان أداؤهما لافتا للانتباه:

وزارة التجارة، كان أداؤها جميلا للغاية، من ناحية توفر السلع والإمدادات، وأيضا الرقابة على الأسواق، وكان أداؤها الإعلامي جيدا أيضا، لم نر مشاهد (هوشات) الناس وتنازعهم على المواد الغذائية، كما في العالم الذي كان يدعي التقدم! الأمور كانت سلسة، هذا غير الرقابة المشددة والمداهمات للمخالفات.

الإدارة الأخرى التي كان لها حضور لافت هي مكافحة الفساد. نكتب عن مكافحة الفساد منذ ما يقرب عشر سنوات، كثير من المقالات وكثير من الحديث، وللأسف كانت مكافحة الفساد سابقا أقل من المأمول، لكن بعد حملة الريتز تحسن الوضع، وبعد منح الصلاحيات الواسعة للهيئة مؤخرا قلنا: إذا لم ينجحوا بعد كل ما أعطوا من دعم فلن ينجحوا، وفعلا رأينا تحركات نشطة من هيئة الرقابة ومكافحة الفساد. البعض ظن أن الحكومة مشغولة بمكافحة كورونا، وأنه سيستغل الفرصة، لكن كانت هناك عين تراقب واقتنصت الفاسدين وقت الأزمات، وأداؤها تطور بشكل يدعو للإعجاب، وأتمنى أن أرى نجاحات أكثر لمكافحة الفساد، خصوصا الفساد الإداري الذي أعتبره مساويا للفساد المالي إن لم يكن أسوأ وهو ينخر الدول. لدي قناعة كتبتها عدة مرات أنه حوالي 7 من كل 10 مسؤولين يحتاجون للتجديد والتغيير حتى يلحقوا ويكونوا على قدر تطلعات رؤية ولي العهد الميمونة. أيضا نتمنى التركيز على نوعية تبدو جديدة من الاستغلال لأموال الدولة، وهي ألا تذهب ميزانية الإدارات للتطبيل والتلميع لمسؤول الإدارة، أو الدفع من ميزانية الدولة لمؤثري التواصل الاجتماعي للتطبيل للمسؤول تحت بنود علاقات عامة

أو استشارات، يجب أن يجعل المسؤول إنجازاته تتكلم عنه أو يدفع من جيبه إذا أراد تلميع نفسه وليس من المال العام.

عموما الأزمات تقوي كما يقول اقتباس روبرت تيو الشهير: «النضال الذي تعيشه اليوم يطور القوة التي تحتاجها غدا».

بالمقابل هناك إدارات كانت أقل من المأمول وسأذكر إدارتين، هيئة الدواء والغذاء كان أداؤها أقل من المتوقع، وكثير في وسائل التواصل انتقدوا أداءها، ارتفعت أسعار بعض الاحتياجات الوقائية، وبعض الصيدليات استغلت الأزمة، حتى إعلاناتهم عن بعض المنتجات غير الصالحة تكون متأخرة والناس تتساءل عن سبب التأخير في نشر عدم صلاحية هذا المنتج أو ذاك، وكيف دخل في البدء!

حتى وزارة التجارة بذلت جهدها لمساعدة ومساندة هيئة الدواء، لكن ما زال هناك قصور من الهيئة، وربما تحتاج لموظفين أكثر كفاءة!

وزارة النقل، لا أعرف صراحة إدارة دون إنجازات تذكر مثل النقل، التصريح بأن استغلال وقت المنع لصيانة الطرق هذا شيء طبيعي ومن صلب عمل الوزارة، فصيانة الطرق أصبحت أسهل بالأزمة وأكثر منطقية لقلة السالكين للطرق! لا أعرف ماذا حدث للمشاريع الكبرى خصوصا السكك والقطارات، مثل مشروع الجسر البري من الخليج للبحر الأحمر الذي سيغير وجه المنطقة، وسكة القطار الخليجية التي نسمع عنها تصريحات عامة مبهمة لا تضيف أي معلومة جديدة، منذ عشرات السنين نسمع تصريحات شبه متشابهة عن الجسر البري والقطار الخليجي، لكن هل من شيء ملموس!!، أين المعلومة والخبر والأفعال والتفاصيل التي تفيد المواطن، أين الخطط للنقل الجوي لجعل المملكة مركزا عالميا (هوب) للنقل، سواء الركاب أو البضائع، المطارات موجودة وبنيت وتبنى من سنين، أين الجديد والتفعيل، خصوصا مع هذا الصرف السخي من الدولة، وأيضا الموانئ بنيت وتوسعت منذ فترة، لكن إضافة خط جديد هي تحصيل حاصل، لكن السؤال أين القفزة النوعية (القفزة النوعية!) في النقل لتواكب تطلعات 2030؟ صراحة لا أرى تحركا إبداعيا يواكب ذلك !

دروس الأزمة كثيرة، وفي مجالات عديدة، يصعب حصرها في مقال، لكن الأمثلة كثيرة منها، علمتنا أهمية أن نركز على الخزن الإستراتيجي بجميع أنواعه، أهمية الاكتفاء الذاتي في الحاجات الأساسية والطبية والدوائية، أيضا علمتنا أن بعض الإدارات تحتاج إلى تغيير مستشاريها الإعلاميين، علمتنا أن بعض المسؤولين المفروض أن يعرف يتكلم ويصرح في الأزمات، وأن وضعنا أفضل من كثير بالعالم، حتى استفدنا من الأزمة بتنويع استثماراتنا في العالم وبأسعار جذابة.

كنا نعرف أن الأزمة ستمر وستجعلنا أقوى، مرت علينا أزمات سابقة وخرجنا أقوى. لست أقول أنا تعلمنا أن نثق بقيادتنا لأننا نعرف قائدنا منذ عقود، وتأكيدا كتبنا في الأزمة مقال (أبوفهد حكمة تجعلنا واثقين متفائلين)، كانت قناعة راسخة، ومرة بعد مرة يثبت أبوفهد هذه الحقيقة. اعذرونا لا تهمنا تصاريح من هنا أو هناك حتى من بعض المسؤولين الذين لم يوفقوا، بل للنظر للأساس ورأس الدولة أبوفهد (إذا كان الرأس مستقرا استقرت الدولة). مجرد النظر للملك سلمان ستشعر بالاستقرار والحكمة، ودائما وأبدا لا تنسوا التفاؤل بالأزمات، كونوا متفائلين، فهو الطاقة التي تمنحك القوة للإبحار وقت الأزمات والعواصف، ودائما بعد العسر يأتي يسر، انسوا كلام المحبطين والمتشائمين، كنا نسأل، ونرد نحن متفائلون جدا، أزمة وستعدي على خير. وواثق باستقرار السعودية بلدي في هذه الأزمة، بل ربما تكون أيضا فيها بعض الإيجابيات لتعديل وإصلاح وتطوير حالنا إلى الأفضل دائما.