كنا حتى زمن قريب، وبمجرد أن تسأل من وضع لنفسه منصب (مدير عام عموم الإدارات العامة لإدارات العموم لإدارة مقصف المدرسة بقرية .......) عن عمل هذا المقصف، سيقول لك وببساطة إنه حائز على جائزة نوبل في مسار بيع «الفشفاش»، وأن مقصفه هذا أصلا قد تم ترشيحه ليكون المقصف المثالي على مستوى العالم، ولكن «موت جدته» جعله غير قادر على حضور هذا الترشيح وإلا لما ضاع عليه اللقب، وأنه وأنه و...... و......، من جميع المدائح التي قد تسمعها منه ومن أغلب المسؤولين حينما يتحدث عن إدارته وما يتبعها.

ومن الطبيعي أن تجد هذا المسؤول يتكلم بلغة يتضح في ملامحها مبدأ «الحديث المبهم»، ولو دخل إلى الحديث غير المبهم بالنسبة لنا وهو الحديث بلغة الأرقام، فستجده يعطيك أرقاما وكأنه «علقت عليه أزرار الكي بورد» ليعطيك أرقاما فلكية يتضح أنها وهمية من أول مراجعة بسيطة لأي شخص غير مختص بهذا المجال ناهيك عن المختص الذي لن يستمع لهذا الحديث من أصله.

فتجد أن بعض القطاعات تعلن أعداد الموظفين لديها وكمية الإنتاجية لديهم، وكيف أنهم حققوا التميز جميعهم بلا استثناء، ولكنك كمتابع عادي لهذا القطاع الذي تمس خدمته حياتك اليومية بالمقام الأول، وتجد أنك تقرأ هذا التميز للموظف والإدارة والقطاع وتقول في نفسك «أسمع جعجعة ولا أرى طحينا».

أما في زمن كورونا الكريه للكل إلا أنه محبب لمن أراد أن يعمل صيانة دورية للقطاع الذي يرأسه، ليباهي به بين أقرانه من القطاعات مباهاة المخلص لوطنه، فتجد أنه قد استثمر هذه الجائحة بل «الفرصة» ليرصد كل صغيرة وكبيرة من الأخطاء في قطاعه وعلاقته بالقطاعات الأخرى وكيف أنه يمثل روح القائد وليس ممثلا لدور الـ «مدير كبيير»، و»مصدق نفسه». فتجد أن كورونا كأزمة جعلت وزارة الصحة تحت قيادة قائد فذ، سبق أن قاد قبلها وزارات ذات أهمية قصوى للمواطن بالدرجة الأولى، كوزارة التجارة والاستثمار سابقا حتى أوصلها إلى وزارة لها هيبتها على الأقل، وبدأ بنفس الروح الحماسية للصعود بمستوى وزارة الصحة، ولكنه عانى من «ديناصورات المناصب»، والذين أصبحت أحافيرهم في مناصبهم وإدارتهم يصعب التخلص منها حتى أطلت كورونا برأسها.

فذهب من يبحث عن مسمى «مدير عام» وحضر بدلا عنه من يقال له (القائد والمشرف)، واختفى من يقول عن نفسه أكاديمي وهو واهم لتحضر المهنية الفعلية، وذهبت المناقصات والمبالغ المصروفة على المناسبات والحفلات والشعارات الجوفاء، لتحل بدلا عنها المصروفات على الأهم أولا والأعلى كفاءة في الإنتاجية والخدمية ومن ثم يأتي ماهو غيرها لاحقا. ولم يعد في الميدان إلا أبطاله ولم يعد يخدم الوطن إلا من لديه الانتماء له وليس لنهب ثرواته، وبدأت الأعمال وكأنها تصبغ بصبغة العملية والاحترافية في التعامل، كالخدمات المقدمة من وزارة العدل على سبيل المثال، فنظرا لكثرة ما كنا نعانيه من بيروقراطية بعض القطاعات، وما أصبحنا نعايشه الآن من تغيير، تأكدنا أننا كنا بحاجة لصيانة دورية لأغلب قطاعات وطننا العظيم، وكأن كورونا قد أطل برأسه ليعلن عن خدماته قائلا: (مرحبا بكم في مركز «كورونا للصيانة الدورية المعتمدة»).