كما هو معروف أن السعودية من أكثر دول العالم إنفاقاً على الدفاع والأمن، بل تأتي ضمن الدول الخمس الأولى على مستوى العالم، في الإنفاق العسكري، حتى أكثر من دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا.

هناك نقطة فاصلة في تاريخ المملكة وهي دون شك شجاعة سمو ولي العهد وصراحته، كان مجرد ذكر عدم تناسب ميزانية الدفاع مقارنة بمرتبة القوة العسكرية السعودية في العالم من المحرمات، لكن «أبو سلمان» قائد حقيقي، والقائد لديه الشجاعة والشفافية لذكر الأوضاع دون تجميل ومن ثم إصلاحها، وفعلا بدأ خطة شاملة لتطوير وزارة الدفاع والوزارات العسكرية والأمنية في الدولة.

سأذكر نقاطا عديدة من مخالطة ومشاهدات لسنوات عديدة في المعارض الحربية والعسكرية حول العالم وفي الخليج:

• أسوأ مندوبي شركات السلاح في العالم يرسلون للخليج، لا يملكون معلومات كافية حتى عن منتجاتهم، يعتمدون الفهلوة لتعويض النقص في المعرفة، أشبه ما يكونون بـ(شريطية) سلاح، مقارنة بمندوبي الشركات نفسها في المعارض الأوروبية وبقية العالم، تجد المندوب لديه فهم أعمق لتفاصيل السلاح ولا يحب المبالغات، لكن في المعارض الخليجية تجده يبالغ ويخطئ أخطاء مضحكة، وأيضا يتحدث في أمور خارجة عن الموضوع لتعويض نقصه، من قبيل أنا أعرف فلانا والمسؤول فلان الخ.

• مندوبو شركات أسلحة تعرض ما تريد بيعه هي وليس ما تحتاجه الدول، لذلك تجده يضغط ويسوق باتجاه أسلحة معينة قد لا تتلائم مع المنطقة والخليج.

• شركات الأسلحة تحاول بيع الأسلحة الأقل كثافة نارية لدول الخليج، مع أن ظروف دول الخليج والمخاطر المحيطة بها مختلفة عن أوروبا و أمريكا، تجده يريد بيع قطعة كبيرة وتسليحها، كأنه تسليح شرطة وليس تسليحا عسكريا، ويتحجج بحجة أن هذا نفس تسليح القطعة في أوروبا وأمريكا، مع أن المخاطر في أوروبا مختلفة، ربما أعلاها هو تهريب أو هجرة، لكن مخاطر الخليج أضعاف مخاطرالغرب، والأعداء أخطر وأكثر تسليحا في الخليج.

• تجده يسوق للقطعة دون النظر للعوامل المحيطة بها أو الاندماج، يقول هذه القطعة نفسها التي يستخدمها الجيش الأوروبي أو الأمريكي، لكن يتناسى عمدا أن هذه القطعة قد تعمل في الغرب بتسليح بسيط لأنها جزء من منظومة، وهناك مساندة لها، قطع أكبر وأكثر تسليحا، مثل مدمرات وحاملات طائرات وقاذفات تساندها، لذلك تسليحها بسيط نتيجة الدعم المحيط بها، لكن في الخليج يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على نفسها، أو ضمن منظومة أقل من الدعم، فلا تناسب الظروف والمرحلة، ولا يناسب تسليحها الخليج.

• لقد قام ولي العهد بقفزة تاريخية ستذكرها له الأجيال القادمة، وهو دعم الصناعة العسكرية الوطنية، وأن يكون الهدف الأساسي أن 50 %من سلاحنا يكون تصنيعا وطنيا، ونقل تكنولوجيا، وصراحة متفائل جدا في عزم ولي العهد، لكن لاحظنا ملاحظة غريبة أن بعض شركات الأسلحة الدولية أعطت أسوأ إن لم أقل أضعف موظفيها ملف نقل التقنية والأفسيت، نعرف بعضهم لأكثر من عقد ونعرف إمكانياتهم، وتتفاجأ أنهم أعطوا هذا الملف الحيوي لأناس بهذا المستوى!

طبعا شركات الأسلحة ذكية، ولا تريد أن تخسر أفضل عملائها، لذلك تدعي قبولها بنقل التقنية، لكن ربما تراوغ، لأنها كانت مستفيدة بقوة سابقاً، حتى المسمار كانت دول الخليج تستورده بأسعار فلكية، والآن نقل التقنية قلل من أرباحها، فهناك ربما نوع من المقاومة الخفية لنقل التقنية، باستخدام أساليب المماطلة أو تسليم الموظفين غير المؤهلين هذا الملف، كمثال وليس تحديدا لشركة بذاتها، لا نريد أن تعاد قصة تجميع التايفون القديمة!!

• الملاحظ أن الشركات الغربية أكثر عنادا ومقاومة لنقل التقنية من الشركات الشرقية والآسيوية والإفريقية، ربما التكنولوجيا أحدث في الغرب، لكن الملاحظ أن الشرق وآسيا تطورا خلال السنوات الماضية كثيرا وقلت الفجوة التقنية، أين كانت نوعية السلاح قبل عقد والآن!، هناك فرق حتى على مستوى المشاركات في المعارض، لا زلنا نذكر مشاركات خجولة من الشرق وآسيا قبل عقد، والآن حدث تطور ملحوظ، هذا غير الأسعار أقل عموما من السلاح الغربي.

• بالنسبة للشركات الوطنية والحكومية، عندما ترسلون مندوبين للمعارض، أرجو إرسال أناس ذوي معرفة واطلاع على المنتجات، موضوع توزيع المعارض بين الموظفين (والسفرة هالمرة على فلان) ما تنفع.

صحيح أنه في أغلب الأحيان نشجع ونحاول رفع معنويات الشباب السعوديين في المعارض، لكن من غير المستحب أن تسأل أسئلة بسيطة عن المنتج ولا تُعرف إجابتها، أو (يصرف) يقول المعلومة سرية وهي مكتوبة بالبرشور أمامه!، نتغافل بعض الأحيان من باب رفع المعنويات، لكن للأسف تتكرر القصة!

• أرجو رؤية منتجات عملية مصنعة ومستخدمة في القوات المسلحة، لأن بعض الشركات أو المؤسسات مستعجلة على توقيع مذكرات التفاهم، وصار الموضوع منذ سنوات، كل معرض عشرات من توقيع مذكرات التفاهم لكن أين المنتج؟ هذا هو السؤال! نريد شيئا ملموسا!

• أرجو جعل العلاقة بين شركات السلاح والضباط المتقاعدين في القوات المسلحة أكثر تنظيما وشفافية، أشجع الضباط المتقاعدين على استثمار خبراتهم ومهاراتهم بما ينفعهم، لكن نريد شفافية.

• هناك تحسن كبير وملحوظ في كثير من القطاعات العسكرية والأمنية في البلد وهذا شيء مفرح، وإن كان هناك قطاعان ما زالا أقل من المأمول مقارنة بأقرانهما!

إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية خطوة ممتازة للتوطين العسكري، مبدئيا أرى تحركا مميزا وعمليا من الهيئة كمظلة، وأعتقد أنهم يعرفون التحديات، ويعرفون جيدا الصعوبات ومراوغة الشركات خصوصا الغربية للتوطين المحلي.

صراحة أقولها بكل تجرد لازم نكرر شكرنا للأمير محمد على مكافحة الفساد والشفافية في القطاع العسكري، وستعرفون أثرها الإيجابي في السنوات القادمة. سابقاً خلال سنوات ماضية كان البعض يقول يجب ألا نذكر أي شيء عن الدفاع حتى لو نعرف! لأنها وزارة سيادية ..إلخ، إلى أن أتى قائد مكافحة الفساد في الدولة، وقال لا حصانة للفساد كائنا من يكون!

إن الفاسد لا يمثل إلا نفسه، إذا تم اكتشاف بعض الفاسدين في وزارة الدفاع - مثلاً- فهم لا يخدشون هذه الوزارة العريقه، ولا يمثلونها، فهم بضعة أشخاص من مئات الآلاف من المخلصين في القطاع العسكري. إن من يمثل الوزارة هم الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم دفاعا عن الدين والوطن.