فاز الصغير بيلي جو توماس (11 عاما) برحلة لأربع أشخاص إلى مدينة الألعاب الشهيرة (ديزني لاند) في كاليفورنيا؛ إثر نجاحه في بيع 801 تذكرة لأحد العروض المسرحية في مدينة سياتل الأميركية في زمن قياسي. في نفس اليوم الذي فاز فيه بيلي بالجائزة شاهد برنامجا تلفزيونيا عرض حوارات مع أطفال مصابين بالسرطان. تأثر بيلي كثيرا عندما سمع أحدهم يقول للمذيع بصوت يغمره الحزن: "ربما سأموت خلال شهرين من الآن". قرر بيلي أن يسعد هؤلاء الأطفال ويمنحهم جائزته قائلا لوالديه: "أليس عظيما أن يذهب هؤلاء الأطفال إلى (ديزني لاند)؟". في اليوم التالي، ذهب بيلي إلى مركز علاج أورام السرطان برفقة والدته. قابل المدير وأخبره برغبته في منح الجائزة، التي حصل عليها أخيرا إلى أطفال المركز. شكره مدير المركز بحرارة، وطلب منه أن يلتقط له صورة؛ ليضعها في نشرة المركز الداخلية والصحف المحلية. ابتسم بيلي للكاميرا وغادر بصحبة والدته. في الأسبوع التالي، ابتسامة بيلي دخلت كل منازل سياتل وأميركا. تصدرت صورته صحيفة سياتل، تحت عنوان: "بيلي... صانع الابتسامة". أغلب القنوات والإذاعات المحلية تقاطرت إلى منزله للحصول على الابتسامة من منبعها.

الأجمل من حصول بيلي على هذا العدد الوفير من اللقاءات والمقابلات هو حصوله على مكافآت مالية وهدايا جعلته أحد أثرياء سياتل الصغار، فضلا عن 40 تذكرة إلى (ديزني لاند) من رجال أعمال رأوا أن يكافئوه على ما قدمه للأطفال المرضى.

مجتمعاتنا إذا أرادت أن تعزز مفهوم التكافل الاجتماعي عليها أن تزرع في أطفالها روح المبادرة. أطفال اليوم هم كبار الغد. إذا لم نغرس في دواخلهم هذه المفاهيم الإنسانية النبيلة لن نجني مجتمعات واعية ومتكاتفة.

إن أسهل طريقة لقراءة مستقبل الشعوب هو تصفح أطفالهم. فهم المقياس الأكثر دقة وموضوعية. وبيلي، هو ثمرة مجتمعات تعتني بمفاهيم التطوع والتكافل بشكل عملي.

فعندما يقرأ بيلي أن مواطنه رجل الأعمال وران بوفيت تبرع بنحو 30 مليارا أميركيا للأعمال الخيرية، ورجل الأعمال دونالد بيرن تبرع بما يقارب 20 مليون دولار أميركي لدعم المدراس في وطنه، ورجل الأعمال بيرنارد أوشير بـ700 مليون لتطوير مرافق الجامعات، سيحرص هو الآخر على تقديم ما في وسعه لوطنه ومواطنيه صغيرا وكبيرا.

في المقابل، ننشأ في بيئة نرى فيها رجال الأعمال يقاتلون في سبيل ابتعاث أبنائهم على حساب الدولة، في حين بوسعهم أن يبتعثوا مدناً بمن فيها. ننبت في مجتمعات يزاحم فيها الأغنياء الفقراء على القروض و"حافز"، فيتعاظم الجشع في أنحائها!

إن رسولنا الكريم يقول: "ما نقص مال من صدقة". لكن يصر بعضنا على التبرع بقليل القليل مما انعكس سلبا على مجتمعاتنا التي يسودها الألم.

رجال أعمالنا ومدارسنا ومنازلنا أمام مسؤولية كبيرة تتمثل في إشاعة ثقافة التكافل في المجتمع والعمل على تكريس مفهوم التآخي بين أفراده.

ليس وحدهم الفقراء هم من يحتاجون إلى مؤازرتنا ودعمنا، وإنما المرضى أيضا. فهم في أمس الحاجة إلى زيارات وابتسامات تطفئ أوجاعهم وآلامهم. كم مرة سمعنا أن كبارا وصغارا ذهبوا إلى مستشفى لعيادة مريض لا يمت لهم بصلة؟

يقول الكندي جيف سكول، الرئيس المؤسس لشركة آي بي، للمزادات الإلكترونية، والذي تقدر ثروته بنحو 3 مليارات دولار أميركي: "كل مرة أزور مريضا لا أعرفه، أعود إلى عملي بشهية مفتوحة".

علينا أن ندرك جيدا أننا لن نتفضل على أحد عندما نقوم بزيارته أو دعمه، بل هو من يتفضل علينا. فبفضله سنحصل على سعادة وارتياح كبيرين.

إن الحقيقة التي ينبغي أن ندركها هي أننا قد لا ندخل قائمة أثرياء العالم مالا، ولكن ربما ندخل قائمة البشر الأكثر سعادة إثر ما نقوم تجاه محيطنا ومجتمعنا. ومن الجميل أن نتذكر دائما قوله عليه أفضل الصلاة والتسليم: "كل معروف صدقة".