في الظاهر بدا أن انشقاق رئيس الوزراء التركي السابق الدكتور أحمد داود أوغلو عن حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب إردوغان هو انقسام واختلاف بين الرجلين، لكن هذا الانشقاق وتشكيل أوغلو حزبا جديدا هو حزب المستقبل، لا يعني مطلقا اختلاف النظرة التوسعية للرجلين، ولا يعني تخليهما عن حلم إعادة نفوذ وسيطرة الدولة العثمانية وإحياء خلافتها، والتي بناء على توافقها صعد نجم أوغلو وتولى رئاسة حكومة إردوغان قبل أن يستقيل وينشق عن الحزب، والدليل أن أوغلو أيد خطوات إردوغان التوسعية في ليبيا، لأنها جزء من مشروع إستراتيجي كبير وضع أوغلو نفسه نظريته وخطوطه العريضة في كتابه «العمق الإستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية»، وهو الذي الذي قرأه الباحث الدكتور عبدالله بن سلمان الفيفي في بحثه الذي حمل عنوان «مشروع أوغلو الإستراتيجي/ وخطره على الأمن الوطني السعودي».

ويؤكد الفيفي لـ«الوطن» أن فكرة البحث الذي طبع في كتاب، انطلقت من المادة (34) من النظام الأساسي للحكم في المملكة، وهي التي تنص على أن «الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن واجب على كل مواطن»، ويقول لـ«الوطن» حين سمعت عن سعي مشروع أوغلو لاستعادة نفوذ الدولة العثمانية، استحضرت الغزو العثماني للدولة السعودية الأولى، وما أسفر عنه من نتائج مؤلمة، تمثلت في سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1233 للهجرة.

ويكمل «أثار المشروع لديّ عددا من التساؤلات: هل يسعى هذا المشروع إلى استعادة أمجاد الدولة العثمانية؟ ثم إن كان يسعى لهذا حقًا فكيف سيكون موقفه من الدولة السعودية الثالثة؟ وهل سينظر إليها نظرة عداء كما كانت الدولة العثمانية تنظر إلى الدولة السعودية الأولى نظرة عداء؟ ثم إن كان مشروع أوغلو معاديا للسعودية فأين تكمن نقاط الخطر فيه؟».


تحليل

بحثاً عن الإجابات الدقيقة اتجه الباحث إلى تحليل كتاب أوغلو، انطلاقا من أهمية الكتاب، وأهمية مؤلفه الذي يعد مهندس مشروع العثمانية الجديدة، واتضح للباحث أن مشروع أوغلو يستهدف الشرق الأوسط برمته، وقد وصف أوغلو هذه المنطقة من العالم بأنها «منطقة ممزقة جيوسياسيا، وجيواقتصاديا، وجيوثقافيا، ففي حين يظهر التمزق السياسي في تعدد دوله وتصارعها، يظهر التمزق الجيواقتصادي في إدارة مصادر الطاقة الموجودة في الإقليم، وأما التمزق الثقافي فيظهر في تعدد الديانات والقوميات في المنطقة».

لم يكن ذكر أوغلو لهذا التمزق إلا تمهيدا لما يريد الوصول إليه، فهو يذهب إلى أن هذه الحالة التي يصفها بالتمزق هي نتيجة حتمية لسقوط الدولة العثمانية التي يريد لمشروعه أن يرثها، قائلًا «تركيا هي الوريث التاريخي لآخر كيان جامع، جيوسياسياً وجيوثقافياً وجيواقتصادياً، في المنطقة، فعليها اعتماد مقاربة إستراتيجية تمكنها من تجاوز التمزق الجيوسياسي والجيوثقافي والجيواقتصادي، وتمكنها من الإحاطة بالمنطقة»، وبهذا نجد أن أوغلو يقدم الدولة العثمانية على أنها كانت صمام الأمان تاريخيا للمنطقة. ويقدم مشروعه على أنه الوريث الشرعي والوحيد للعثمانية.

ولم يناقش الباحث ما ذهب إليه أوغلو من اختزال للحضارة الإسلامية في التاريخ العثماني، ومن عدم تقييم الدولة العثمانية تقييما علميا، ومن عدم الإشارة إلى الدول العربية التي حكمت المنطقة قبل ظهور الدولة العثمانية، وأقامت فيها حضارة أشعّت على العالم أجمع، لأنه خصص بحثه لاستشراف المهددات التي قد تنتج عن هذا المشروع، وتحديد مدى تأثيرها على الأمن الوطني للمملكة.

نتائج

من خلال تحليل ودراسة كتاب «العمق الإستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية» ظهر للباحث عدد من النقاط التي تشكل تهديدا محتملا للأمن الوطني السعودي، إما تهديدا مباشرا، وإما عن طريق تهديد الأمن القومي العربي، ومنها:

أولا: المهددات للأمن القومي العربي:

نظرا لكون مشروع أوغلو مشروع توسع في المنطقة، فإنه سيكون مهددا للأمن القومي العربي، وبما أن الأمن الوطني للمملكة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، فإن أي تهديد لهذا الأخير هو تهديد للأمن الوطني السعودي.

محاولة استقطاب بعض الدول العربية إلى صفه

كي تمنع أي تكتل عربي ضد تمدد المشروع في البلاد العربية، فإن أوغلو يعترف بأن «ثمة حقيقة مفادها: أن تركيا التي تواجه الآن اللوبي العربي في المحافل الدولية بعد اللوبي اليوناني والأرميني، ستواجه صعوبات جمة عند انتهاجها دبلوماسية فاعلة». ومن هنا فإنه يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى معسكرين، المعسكر المناهض للمشروع، والمعسكر الموالي للعثمانية الجديدة، والهدف من هذه القسمة: أن يكون المعسكر الثاني خصما للمعسكر الأول، وبهذا يمنع أوغلو تشكل لوبي عربي على حد زعمه.

تدخل المشروع في دول الجوار العربية، ومنها العراق الذي يسعى أوغلو إلى تحويله إلى دولة تدور في فلك مشروعه، قائلا «علينا ألا ننسى بأن ولاية بغداد العثمانية كانت بمثابة مفتاح لتأثير الدولة العثمانية في آسيا، ولا يختلف الوضع الآن».

إقامة العلاقات الإستراتيجية مع القوى الإقليمة، لمنع تشكل تكتل عربي قد يؤدي إلى عزل تركيا عن التأثير في الإقليم، وتأتي إيران وإسرائيل كركيزتين لهذا التعاون.

من أخطر ما تضمنه مشروع أوغلو من مهددات للأمن الوطني السعودي، بل للأمن القومي العربي، ما فيه من إشارات تدل على أنه قد يلجأ في يوم من الأيام إلى استخدام القوة العسكرية، لفرض هيمنته على الشرق الأوسط، فإنه لما تكلم عن كل من جزيرتي: قبرص. وكريت. قال «تعد الجزيرتان بمثابة موقع قاعدة، وحاملة طائرات ثابتة، تستطيع الإمساك بنبض الطرق المائية لعدن وهرمز وحوض الخليج وقزوين، أهم الأحواض المائية للاتصال بين أوراسيا وإفريقيا».

ثانيًا: استهداف الحلفاء التاريخيين للمملكة:

بعيدًا عن الدول العربية التي يتداخل أمنها القومي مع الأمن الوطني السعودي، فإن دولا تعد حليفة للسعودية، ومنها باكستان يستهدفها مشروع أوغلو لأنه يرى أنه «يمكن لباكستان أن تصبح مفتاحاً آمناً وشاملاً وديناميكياً لإستراتيجية تركيا الآسيوية».

وسعى المشروع إلى التغلغل الثقافي في باكستان، حيث اتجه باكستانيون لتسمية أطفالهم «أرطغرل» متأثرين بمسلسل قيامة أرطغرل، بعد دبلجته إلى الأوردو، لإيجاد حالة تقبل شعبي باكستاني للمشروع الجديد.

ولم يقف المشروع عند البعد الثقافي، بل إنه سعى إلى إدخال باكستان في تحالف إسلامي، يستهدف المكانة الإسلامية للسعودية، تجلى في القمة الإسلامية في ماليزيا التي اعتذرت باكستان عن دخولها، ولا شك أن سعي المشروع إلى عقدها كان نتيجة حتمية لفشله في مخططاته التي لخصها بـ«من ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي، بما يضمن سيطرة تركيا على إدارتها».

ثالثًا: تهديد الاقتصاد الوطني السعودي:

من الأهداف الإستراتيجية التي يهدف أوغلو إلى تحقيقها «امتلاك الكلمة بشكل أو بآخر فيما يخص الموارد الاقتصادية في الشرق الأوسط». وبناء على هذا الهدف، فإنه وضع من الخطط ما سيؤثر بشكل مباشر على الأمن الاقتصادي السعودي، من خلال سعيه لتحقيق نفوذ في مناطق إنتاج النفط، وفي طرق تصديره إلى العالم، وهو يقول «يعد الخليج العربي، وطرق اتصاله مع البحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر، واتصاله مع المحيط الهندي عبر مضيق هرمز، من الأحواض البحرية الهامة التي يمكنها أن تدعم التأثير القاري لتركيا».

الباحث

د. عبدالله بن سلمان الفيفي

عضو هيئة التدريس بكلية الحرم المكي

عضو الهيئة الاستشارية بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

الكتاب

«مشروع أوغلو الإستراتيجي/ وخطره على الأمن الوطني السعودي»

الصفحات 162 صفحة

القطع متوسط مقاس 21 ×14 سم

الناشر مكتبة المتنبي