قطعت المرأة العربية في القرن العشرين ومن ثم الواحد والعشرين أشواطاً متقدمة وانتقلت عبر قفزات نوعية وكمية إلى مرحلة تاريخية جديدة في إطار انضمامها لسوق العمل العربي سواء كموظفة أو كسيدة أعمال أو كمديرة تقود فرق العمل بمختلف أنواعها وتخصصاتها.

والمرأة العربية في قطاع الأعمال لا تمثل أمراً طارئاً على التاريخ العربي، فزوجة النبي، صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين خديجة، رضي الله، عنها كانت لها تجارتها الخاصة، وكذلك كان للنساء في جزيرة العرب وخارجها وعبر العصور تجارتهن وأملاكهن الخاصة، وكنّ يقمن على إدارة تلك الأملاك بحرية كاملة، ومن هنا فليس الوجود القوي للمرأة العربية اليوم في قطاع الأعمال ما يدعو للغرابة، ولكن يمتاز وجودها اليوم بمعالم وسمات تتناسب مع روح العصر الذي تعيشه وتشارك في صنع أحداثه.

فالمرأة العربية اليوم كمستثمرة قد تنهمك في تفاصيل العمل كاملة بنفسها ودون أن ينوب عنها من يدير لها أعمالها، فهي تدير العمل بشكل مباشر، والمجتمع العربي لم يكن يرى قديماً مشكلة في ممارسة المرأة للتجارة، ولكن تحرك المرأة محلياً أو خارجياً لمتابعة شؤون تجارتها هو ما يمكن أن يمثل تغيّراً في تقبل المجتمع العربي لنمط جديد من ممارسة الأعمال من قبل فئة النساء، وربما سبب هذا التغيّر يرجع بدرجة كبيرة إلى كون تفاصيل الحياة وأسلوبها باتا يفرضان تقبُّل مثل هذه التغييرات، إضافة إلى التأثير واسع النطاق والممتد للإعلام والذي غيّر كثيراً من الأفكار الاجتماعية على مدى عقود مختلفة.

وكثيراً ما نتساءل، هل باتت مجتمعاتنا مؤهلة تأهيلاً كاملاً للتعاطي مع المرأة العاملة، وخاصة سيدة الأعمال من منظور يسمح لها بممارسة أعمالها بأريحية كاملة، مما يساعدها ويعينها على تحقيق الأهداف المؤسسية لشركتها على النحو الأمثل؟ الجواب فيه كثير من "نعم"، وقليل جداً من "لا"، وهذا ما نستشعره جميعاً في مجتمعاتنا العربية، وهو بالنسبة لنا جميعاً تطوّر إيجابي في اتجاه إعادة الاعتبار للمرأة العربية والتعامل معها بمعايير لا تقل عن تلك التي كانت موجودة في صدر الإسلام، حيث مُكِّنت المرأة في ذلك العصر من التجارة والبيع والشراء جنباً إلى جنب مع الزوج أو الابن أو الأخ، وكانت كرامتها دوماً محفوظة من قبل المجتمع.

المرأة العربية أيقونة للمرأة العالمية في الحشمة والاتزان والعقل، وتاريخنا الأدبي يزخر بنماذج نسائية يفتخر بها الجميع رجالاً ونساءً، والمرأة العربية كانت وستظل دائماً قادرة على إلهام مجتمعها ووطنها وأمتها في اتجاه كل ممارسة إيجابية وفاعلة، فهي حجر الزواية الذي لا يمكن أن تقوم تنمية من دونه، وهي تمتلك إمكانات إدارية وتنظيمية لا يمكن إغفالها، وقد أثبتت التجارب قديماً وحديثاً أن تلك الإمكانات استثنائية ومتميّزة جداً.