في حديث جانبي بيني وبين أحد مسؤولي البلدية بقربنا، كنا نتحدث عن اللوحات المرورية داخل المدينة وخارجها، ومن هو المسؤول عنها وعن صيانتها، والتأكد من مواقعها الصحيحة وخصوصا بعض لافتات (انتبه أمامك مطب)، والتي يجعلها بعض المقاولين قبل المطب بـ 10 أمتار، وكان من المفترض أن يستبدلها بقوله (انتبه المرة الأخرى من المطب اللي أكلته)، وتطرقنا لكيفية تحديد المسؤوليات بين وزارة الشؤون البلدية والقروية من جهة، ووزارة النقل من جهة أخرى لهذه اللافتات.

ولكن تحول محور الحديث بيننا ليبادرني قائلا: (لو الأمر بيدي ماخليتهم يكتبون اللوحات اللي تقول انتبه أمامك ساهر)، وأكمل قائلا «وكأننا نقول لبعضنا هنا أسرع وهنا لا تسرع، هنا فيه اهتمام بحياتك وهنا خذ راحتك» فقاطعته قائلا: (ولكن يجب التنبيه لكل من سيتعرض للتصوير وهذا حق مشروع للجميع، حتى في الأسواق أو البقالات تجد لوحات قد كتب عليها «المحل مراقب بالكاميرات»).

فقال صاحبنا ولكن أليس من المفترض أن نعتقد أن (ساهر) في كل مكان، وأليس من المفترض حتى وإن لم يكن (ساهر) قد سهر الليل ليحد من سرعتنا، ويفرض علينا ربط حزام الأمان، وعدم استخدام الجوال أثناء القيادة و..... و...... إلخ، فأليس من المفترض أن يكون «ساهرنا» الداخلي يعمل في كل دقيقة وثانية.

وأكمل قائلا: «لو كان الأمر بيدي لما كتبت هذه اللوحات وأحرص على استبدالها بلوحات تحديد السرعة القصوى، لهذا الطريق فقط لأنها هي ما يتغير، أما (ساهر) هنا أو هناك فأعتقد أنها تظهرنا وكأننا لا نزال نخاف من الرقابة الخارجية أكثر من رقابتنا الداخلية التي تجعلنا نعيش بسلام مع الجميع».

صحيح أنني أنهيت الحوار بيني وبين هذا المسؤول وأنا في لحظتها لم أكن مقتنعا بما قال، ولكن منذ أن راقبت أحوالنا ونحن نرمي النفايات على الأرض بعد أن نلتفت يمينا ويسارا، لنتأكد من أنه لا أحد يراقبنا أو يصورنا، ومنذ وجدت أننا نسيء لعامل البقالة أو محطة البنزين أو حتى أستاذنا الجامعي الذي لا يتكلم العربية بتهكمنا عليه بكلمات عامية فقط، لأنه لا يفهمها وإلا لما تجرأنا على النطق بها. وقس على ذلك صعودا ونزولا ووصولا، إلى انطلاقنا بمركباتنا بسرعة الطائرات، ونعكس السير على الطريق العام، ونقطع الإشارات الحمراء، وكل ذلك بعد أن نتأكد أن المنطقة التي نعيث فيها استهتارا بالأرواح تخلو من (ساهر) «الخارجي»، علمت حينها أننا بحاجة إلى ما يتمناه مسؤول البلدية هذا وأن يأتي يوم ولم نعد ننشغل بلافتة (انتبه أمامك ساهر) وننشغل عنها بـ (انتبه داخلك ساهر).