في سنوات الدراسة، كان لدي انجذاب للشخصيات العسكرية، وكان هذا الشعور سائدا عند كثير من الأقران، وهذا الإعجاب يعود لأسباب كثيرة، لعل من أهمها الأشخاص أنفسهم، من حيث الهيبة التي تلفهم، والقوام الذي يميزهم، وتقدير التراتبية التي بينهم؛ فأداء التحية وحدها للرتبة الأعلى فيها جمال الوطن كله، وجلال أمنه وحمايته..

قبل أيام انتقل للرفيق الأعلى أحد أولئك العسكر الذين كنت أرى فيهم مجموعة صفات رائعة؛ إنه العميد متقاعد علي بن هاشم عقيل، أحد الذين جسدوا لنا في هذه البلاد المباركة الولاء التام للمليك، والمحافظة على مصالح الوطن والقوات المسلحة، مع عدم التقاعس أو التهاون في أداء الواجبات، وأداء المسؤوليات المنوطة به بكل دقة وأمانة ونشاط وإخلاص، وعلى أكمل وجه وفي أقصر مدة..

قرابتي من السيد علي عقيل، وتواصلي معه، مكناني من التعرف عن كثب على شخصيته الثقافية والاجتماعية التي عرف بها، وشخصيته العسكرية التي اشتهر بها، والتي بدأت عام 1386 بالتحاقه بكلية قوى الأمن الداخلي ــ كلية الملك فهد الأمنية حاليا ــ، وكان قبلها قد درس الابتدائية بمدرسة الفيصلية بمكة، ثم درس الصفين الأول والثاني المتوسط بمدينة الإسكندرية، ثم أتم المتوسطة بمدرسة خالد بن الوليد، والثانوية بمدرسة العزيزية بمكة، وخلال حوالي (30) سنة، تشرف بمناصب قيادية مهمة، من أبرزها قيادته وحدة الأمن الجوي لحراسة طائرات الخطوط الجوية العربية السعودية، وإدارته الحقوق المدنية، ثم قسم التحقيقات الجنائية بشرطة جدة، وإدارته الضبط الإداري بشرطة جازان، وقيادته قوة الحج والمواسم، وإدارته مركز التدريب التخصصي لقوات الطوارئ الخاصة بمكة المكرمة، كما تشرف بنيل وسام جلالة الملك عبدالعزيز من الدرجة الرابعة، وميدالية التقدير العسكري، وعدد من الأنواط، ولم ينس متابعة دراسته أثناء الخدمة، إذ حقق درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية..

العميد علي عقيل ودع زملاءه الضباط، وأحبابه في بعض المجموعات برسالة مؤثرة، كتبها وأرسلها في (25) شوال، وتفاجؤوا بها خاصة وأنهم لا يعرفون عنه إلا الصحة والنشاط، قال لهم فيها: «قدر الله لي الإصابة بفيروس كورونا، رغم كل الاحتياطات والتباعد، وما شاء الله فعل، وأنا منوم في المستشفى.. أسألكم الدعوات والمسامحة والعفو عما بدر مني تجاه أي أحد منكم، قولا أو فعلا، علنا أو سرا، بقصد أو بدون قصد، وأبرئكم وأحللكم مما أعلم أو لا أعلم، ظاهرا أو باطنا، وموعدنا إذا لم نلتق؛ عند المليك المقتدر، إخوانا على سرر متقابلين.. أسالكم الدعوات، ولكم مني مثلها»؛ وبعد الرسالة بأقل من (3) أسابيع أسلمت الروح لبارئها، تاركة خلف صاحبها أما مكلومة، تدعو له ليل نهار، وفي ذلك كمال حسن حظه، رحمه الله، وربط على قلبها، وصبر أولاده وذويه ومحبيه..

أعود لمفتتح المقال لأؤكد على أن كل من تشرف بالخدمة العسكرية في هذه البلاد المباركة، له في عنق كل واحد من أفراد الشعب منة وفضل، ولا تكفيه كلمات الشكر، والدعاء مبذول لمن رحل منهم بالرحمة والمغفرة، ولمن بقي بالعون والتأييد، وأخص رجال الحد الجنوبي، رجال الشرف والشموخ، الذين يقاتلون نيابة عنا، من أجل التراب المقدس، لهذا الوطن الطيب المعطاء.