بناء المساجد وإقامة الأماكن لمُمارسة شعائر هذا الدين العظيم أمر مُفرح ومُبهج لكل مسلم، خاصة في بلاد الغرب والشرق ذات الديانات المُتعددة وشهادة خير لانتشار رقعة هذا الدين، وبالتالي فتحويل متحف أو كنيسة أيا صوفيا لمسجد أمر جميل في ظاهره، ولكن هناك تساؤلات مطروحة وتحتاج إجابات «عقلانية» ومنها، هل يحتاج مثل هذا الأمر «مرسوما رئاسيا» من أعلى قمة الهرم في تركيا اليوم؟ وهل يحتاج مثل هذا «الفتح المُبين» هذا الزخم الإعلامي ومنح «إردوغان» لقب خليفة المسلمين؟ وهل هذا الإنجاز «الإردوغاني» وغير المسبوق مُؤشر لاستعادة المسجد الأقصى الشريف، كما تروج له حركة حماس والإخوان المسلمين؟ ومن ناحية أخرى هناك مُئات الكنائس في بلاد «الكفر» تم ويتم تحويلها لمساجد للمسلمين في تلك الديار بتوقيع من رئيس البلدية في تلك المدن، ولم تُغط إعلاميا ولم يُقال إن رئيس تلك البلدية هو خليفة للمسلمين. تحويل متحف أيا صوفيا لمسجد أو بقائه هو شأن داخلي تركي، فلو أن «إردوغان» هدم بيوت الدعارة وأغلق الكنائس وكسر أعناق قنينات الخمور في حانات تركيا، وحول النظام التركي العلماني لنظام إسلامي دستوره القرآن والسنة المُحمدية، وطبق الأحكام الشرعية وكف تعاونه مع بني صهيون، لكان بالإمكان القول إن مثل هذا كله يعني بزوغ خلافة الإسلام المُرتقبة، القضية لا تعني سوى كسب سياسي في الداخل التركي لمزيد من البقاء في السلطة، وفي الخارج التركي، خاصة «العروبي» منه، هو تسهيل التمدد العثماني واسترداد الخلافة العثمانية البائدة، بتشجيع وتهليل من خونة أمة العرب والذين يشتركون مع الرئيس التركي في ذات الهدف وهو الإيمان بخلافة إسلامية بنكهة رومية، وليس لها من الدين سوى «عارض دقني محفوف وقميص بدون ربطة عنق» لقادة هذا الفكر الراديكالي، ومضمونها الدنيا والتمتع بمُلذات الحياة على حساب ما تدعيه وتنعق به. في المُقابل هذا خليفة المسلمين «إردوغان» يُقتل المسلمين الليل والنهار في سورية وشمال العراق، وينقل مُجرمي سورية وخونة الأمة إلى ليبيا، بهدف قيام الخلافة الترك-رومانية الإسلامية، إردوغان وقادة الإخوان لهم أجندات سياسية خبيثة لا تمت للدين بصلة، انطلت هذه الأجندات على السذج من قطيع التابعين، لتصبح القضية إسلامية صرفة وهي أبعد ما تكون، إنه اللعب على العواطف وتغييب العقول.
ما يحصل في تركيا وفي الفكر الإخواني المتأزم اليوم، هو ما يحصل تماما في الفكر الصفوي-الخميني والقائم على «الانتظار الإيجابي» للمهدي، وجعل مهمة «الولي الفقيه» تتمثل في إعداد «جيش المهدي» لمُحاربة أهل الأرض والهدف «سامٍ في زعمهم الخبيث»، وهو إقامة العدل في الأرض وهم يعلمون أنهم أبعد ما يكونون عن العدل، تبعهم ويتبعهم قطيع كبير في الداخل الإيراني مودة أو كرها وفي الخارج، خاصة شيعة العرب، والنتيجة ما يحصل في العراق وسورية واليمن من قتل وتدمير وفقاً لأسطورة خُمينية كاذبة. لا يختلف الأمر كثيرا عند مُتطرفي السنة من القاعدة وداعش، والذين لقادتهم أجندات خبيثة ذات طابع دنيوي صرف، ولكنها غلفت للسذج وهم كثر بـ«الحور العين»، فما يُفصلك عن تلك «المرأة فائقة الحسن والجمال» سوى ارتداء الحزام الناسف، وبقدر عدد الضحايا يكون عدد الحسناوات، وأغفلوا بقية نعيم أهل الجنة وشعارهم فقط «الحور العين»، بل قيل إن من يرتدي الحزام الناسف في دائرة القتل لا يحس ولا يشعر بشيء، فقد أصبحت روحه في أحضان حورية «قبل وأثناء» تفجير نفسه، ولم يُعد في الدنيا سوى بدنه المُمزق.
من المُلاحظ في الفكر الإردوغاني وقادة الفكر الإخواني والصفوي-الخميني والفكر السني المُتشدد، أن الهدف المُبطن للقادة والمُنظرين هو «الدنيا وزخرفها» ولا غير، والظاهر للعامة هو خدمة الدين وإظهار شعائره وإقامة العدل وتحكيم شرع الله في الأرض، وهم يعلمون علم اليقين أن غاياتهم كاذبة وتخدم أجنداتهم الخبيثة، و«المساكين» هم تلك الفئة البسيطة التائهة «العاطفية» وهم كثر، والذين يُنفذون أجندات أولئك القادة «الشياطين» طمعا فيما عند الله وشعارهم «التهليل» على إزهاق أرواح الأبرياء عدوانا وبغيا!! والنتيجة النهائية أنهم أساءوا لهذا الدين إساءة بالغة وشوهوا وجهه الحسن الجميل ومضمونه العادل.
نحن بحاجة ماسة لبرامج هادفة توعوية للتعاطي مع هذا الفكر الخبيث، بحلته الفارسية والرومية والعروبية من حيث التوعية والوقاية، وصياغة برامج علاجية لمن اُبتلي بهذا الداء الفتاك على الأصعدة والمستويات كافة، وفي شتى جوانب الحياة، لفكر مُعتدل، فديننا العظيم أبعد ما يكون عن الغلو وأقبح الغلو، الغلو باسم الدين للدنيا، للحديث بقية.