العودة إلى الدراسة ما بين الشوق والخوف، ما بين أذهب أو لا أذهب، العلم الذي يجب علينا أن نطلبه ولو في الصين، قرر الفيروس الصيني أن يجعله «من منازلهم» لفترة من الزمن في أكثر بقاع الأرض، ولم يعد يجب علينا التماس العلم في الصين، بل ربما لم يعد يجب علينا التماسه داخل أسوار المدارس المجاورة للبيوت.

قريباً سيبدأ العام الدراسي ولا نعرف إذا ما كانت المدارس والجامعات ستفتح أبوابها وتستقبل طلابها، لا نعرف ما إذا كان سيقف الطلاب في طابورهم الصباحي لينشدوا النشيد الوطني ويمارسون رياضة الصباح، ويستمعون لإذاعة الصباح! أو أنه كما تغيرت الحياة خارج أسوار المدرسة ستتغير داخلها! أو ربما لن يذهب الطلاب إلى مدارسهم ويكتفون بالمتابعة عن بعد.

سيفتقد الطالب أجواء الدراسة في المدرسة، وسوف تسقط صور وحكايات من مذكرته، فلكل يوم تاريخ ولكل تاريخ حكاية. قد تكون الدروس وجهاً لوجه صعبة، لكن بوجود الأصدقاء تكون أكثر قابلية للفهم وأقل إرهاقًا وأكثر متعة، هيبة المعلم والمعلمة ستبهت من وراء الشاشات، فوقوف المعلم والمعلمة أمام طلبتهم له هيبته ووقاره، سنفتقد البيئة الدراسية المحفزة في كثير من الأحيان.

الجلوس خلف شاشات الكمبيوتر والأجهزة الذكية لا يعادل الجلوس على مقعد الفصل، من المؤلم أن نضع فرضية التعليم عن بعد كأحد الحلول لبدء الدراسة، ولكنه ربما يكون هو الأسلم والأجدى في عصر كورونا، ولكن ما الذي يمنع العودة للمدرسة بحذر كما عدنا لغيرها!؟

هل هو عدد الطلاب الكبير، أم مساحات الفصول الضيقة، أم السلوكيات غير الصحية، أم لأن المدارس قدرات؟.

لترك مساحة لا تقل عن متر ونصف بين طالب وآخر، يجب أن تكون الفصول متسعة لهذا، وعدد الطلاب أقل ليسمح بذلك، وبالنسبة لوقت الفسحة والانصراف، كيف نستطيع أن نصنع مجتمعا مدرسيا منظما وغير مزدحم؟، هذا يتطلب أن تكون الساحات متسعة والبوابات كبيرة، ويستلزم وجود مشرفين ينظمون كل ذلك.

العودة للمدرسة يحكمها عدد الحالات في المنطقة، فالمناطق الأكثر إصابات ربما ستلتزم بالدراسة عن بعد، وربما يساعدنا أيضاً فرز حالات الطلاب بحيث يدرس بعض الطلاب عن بعد وبعضهم يدرس حضورياً، حيث يلتزم الطلاب المصابون بالأمراض المزمنة كالربو والسكري والأمراض الخلقية المزمنة، كأمراض القلب، والطلاب الذين يتناولون الكورتيزون لعلاج قصور الغدة فوق كظرية، وأمراض المناعة الذاتية، هؤلاء الطلاب يُقدم لهم التعليم عن بعد ويختبرون مع زملائهم حضورياً بتنظيم يضمن السلامة للجميع، وأتمنى أن تلعب الوحدات الصحية المدرسية دورا محوريا في منع العدوى بين الطلاب، ووضع إستراتيجية لذلك متى عاد الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية.

ما تعلمه الأطفال واليافعون خلال الأشهر الماضية من سلوكيات صحية، عليهم أن يطبقوها، وعلى هيئة التدريس والإدارة ترسيخ هذه المفاهيم أكثر.

التعايش مع كورونا مطلب حيث إنه علينا استئناف حياتنا العلمية والعملية بشكل أكثر فعالية، فقد تعايش العالم مع أوبئة سابقة مثل مرض الطاعون الذي أخذ يتكرر مرة كل عقد من الزمان، فيظهر في الربيع ويشتد في الصيف وينحسر في الخريف والشتاء، ولم تتوقف الحياة وتطور الإنسان وغيّر الكثير من سلوكياته وعاداته وانتصر، وما زال أمامنا طريق طويل وكثير من الأمل والعمل.