يحدث أن يعطي الله أشخاصاً تفكيراً سابقاً للمرحلة المعاصرة لهم وللمجتمع من حولهم، وبمجرد طرحهم تلك الأفكار والآراء ما تلبث تعود عليهم بالمشاكل الجمة التي تصل إلى أدنى العمق في ألمها جراء حرب المجتمع عليهم، خاصة إذا كان موقعهم حساساً ويحمل وجاهة في ساحة مصارعة. وبعد مرور الزمن وعندما يصل المجتمع إلى المرحلة المتقدمة من الوعي التي سبقهم بها أولئك الأشخاص تنصدم من شدة اندماجهم مع تلك الأفكار والاقتناع بها ولا تصدق أنهم يوماً ما عارضوها ورفضوها. ما تتعرض له اليوم الدكتورة إقبال درندري عضو مجلس الشورى من هجوم تجاوز كل دلالات الإنسانية قبل أخلاق وتعاليم الدين الإسلامي الذي يتحدثون باسمه بسبب توصية واقتراحات طرحتها بشأن المرأة يعيد بنا الذاكرة إلى ما تعرض له الدكتور محمد ال زلفة عضو مجلس الشورى «سابقاً» عام 2005، عندما اقترح توصية تطالب بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، عندها غضب عليه المجتمع بالكامل وآذوه بكل ما تصل إليه ألسنتهم وأيديهم، عاملوه معاملة المرتد وما زلت أذكر وأنا طفلة حينها ما كان يصله في المجالس من أقبح الصفات وأشد الدعوات والتهم، كنت أراه حينها الشيطان يمشي على قدمين بيننا، ومرت السنوات والأيام ونفس أولئك الرجال - أعرفهم شخصياً- لا يجدون إلا حفيداتهم ينقلونهم إلى مواعيد المستشفى أو السفر والتنقلات البسيطة، ولولاهن لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، بل وصل الأمر ببعضهم إلى المفاخرة بهذا الأمر وتصوير بناتهم والحفيدات وهن يقدن السيارة مع الدعاء للقيادة الحكيمة لأنها سمحت بهذا القرار ويسرته. بالضبط هذا ما يحدث اليوم مع الدكتورة إقبال حين طرحت توصية قد تكون سابقة لوعي المجتمع الآن فحاربوها ومارسوا أقذر أفعال العنصرية ضدها وكفروها وخونوها واتهموها في عقيدتها ولم يناقشوا فكرتها أبداً، ومن حاول أن يناقش الفكرة لا يناقشها بالعقل والمنطق، وما دلت عليه آيات القرآن والسنة النبوية بل يقفز بالاقتراح إلى أنه مفتاح للشرور وعقوق للوالدين ومدعاة للفساد بالضبط، كما حدث مع قيادة المرأة 2005 من تبريرات وهجوم. لا بأس أن ننتقد بعض آراء أعضاء مجلس الشورى، ونناقش الآخر في حدود العلم والأدب بالعقل والمنطق، وندحض الحجة بالحجة، لا أن نسيء لهم ونحاربهم ونخونهم ونشكك في وطنيتهم ونعايرهم بالتجنيس والمجنسين، ثم إن أعضاء مجلس الشورى تم اختيارهم بثقة ملكية، وجاء اختيارهم من ولي الأمر لاعترافه بكامل مكونات المجتمع وقدراته وليسمع أصواتهم المختلفة وليساهموا جميعا في تنمية ورخاء الوطن. هذا فيما يخص الهجوم على دكتورة إقبال درندري، أما الحديث عن التوصية المقترحة، فالمقال المقبل.