من خلال رحلة الحياة نجد كثيراً من الأشياء تغيرت وأصبحت الحياة بدون طعم، وماتت فيها روح التواصل وتهدمت فيها جسور المحبة والتآلف.

زمن أصبح فيه الإنسان المخادع هو الإنسان المحبوب لدى الناس، زمن لا يعرف غير لغة المال والجاه والمظاهر البراقة، وضاع فيه ذلك الإنسان الطيب البسيط.

العلاقات بين الناس أصبحت علاقات سطحية، الكل يعيش في قلق وترقب لما هو قادم لأنك لم تعد تثق بمن حولك لذلك وجب الحذر واليقظة والاستعداد لتقبل مزيد من الطعنات والإساءات.

لم يعد للحب مكان، ضاعت الوجوه الصادقة في زحمة المجاملات والنفاق، تحاول أن تنصح أن تقول لا وأن تضع إصبعك في عين الخطأ، ولكنك تتهم بالجنون وبالغباء فلا أحد يحب الصراحة، الكل يكذب على الكل، حياة فارغة عقيمة ماتت فيها كل المشاعر وانتحرت فيها كل الآمال.

أصبح الواقع جحيما في عيون الصادقين الذين أصابهم الإحباط في محاولة إصلاح الخلل الذي طرأ على علاقات الإنسان بأخيه الإنسان.

الجميع يعيش في تنافر وسباق محموم على المال، لا يهمهم أي شيء جميل في هذه الحياة، لم يعد يوجد مكان للكلام فلقد ساد الصمت وتعطلت لغة الكلام الذي لم يعد ينفع، وازدهرت لغة العيون لتعبر عن واقع مؤلم قتل روح الحوار والتآخي والمحبة بين البشر.

تجد نفسك أيها الإنسان الصادق في النهاية تلتزم الصمت كإعلان حداد على موت المشاعر والقيم، وعلى عدم فاعلية الكلام، ونجد أن الصمت حكمة كما قالوا، وفي زمن أصبح من الصعب جدا إصلاحه، لأن الضرر الذي أصاب علاقاتنا ببعضها البعض أكبر من أي إصلاح أو تفاهم، ويضيع الكلام في دروب الصمت القاحلة، ويبقى الإنسان المخادع والمنافق هو من يعلو صوته ويحظى بكل تقدير ومحبة، لتنقلب الموازين وتختلط الأوراق ونفتش عن الحياة السعيدة فلا نجدها إلا في أفلام الكرتون، ونعود من جديد نلتحف الصمت ويعتصرنا الألم والحسرة على واقع مؤلم اغتال أفراحنا وأحلامنا وآمالنا، وجعلها حطاما وفرض علينا واقعا مريرا لا تتحمله قلوبنا الطاهرة.