الثقافة بعامة ميدان تتلاقح فيه الأفكار والثقافات، يتبارى فيه أصحاب الفكر والقلم، يمتاحون من مشارب عذبة، ويتركون أثراً يخلده الزمان ويطرب له المكان.

ويحضرنا في هذا السياق الدكتور عبد الله الغذامي، رجل وطني بحق وقامة ثقافية شامخة.

رجل جعل للثقافة معنى سامياً. نزع إلى مكارم الأخلاق والترفع عن الصغائر، لم ينوء بأعباء الدال بل نحاها جانبا في تواضع العلماء والرجال العظماء. قاد حراكا ثقافيا فاعلا ونذر نفسه وقلمه وفكره ووقته للثقافة.

أوقد نارها وغاص في أعماقها، نثر الدرر في سمائها، شرب من عذب فراتها وطاف في نواحي حقولها. ملَك نواصي النقد والبلاغة وبهاء اللغة وعمق التفكير، وحرفا عذبا متوهجا. فكان نتاجها عشرات المؤلفات ومئات المقالات والمحاضرات، صبّ فيها عصارة فكره وتجلّت فيها سلامة منهجه، تَوّجَها بكتابهِ (العقل المؤمن والعقل الملحد) الذي سوف يكون له ارتدادات ومماحكات لن ينطفئ إوارُها أو تخبو جذوتها.

لم يتوقف أبو غادة عند هذا، بل امتطى جناح الطائر الجميل تويتر. يغرد بكل ما هو جميل فزاده جمالا على جمال. وطرّزه برسالة بليغة: (سَمّو أنفسكم مستقلين، كونوا دعاة سلام ومحبة، قولوا بحرية التفكير والتعبير لمخالفيكم قبل أنفسكم، قل رأيك بحرية ولا تبالي شرط أن تقول «هو رأيي أعرضه ولا أفرضه»).

ما أجملها من رسالة وما أعظمها من بلاغة. نَشر روح التسامح وغَرس بذور الحب وأرسى قواعد الفكر الحر المعتدل.

حاور الصغير والكبير، فكان هذا الحب الجارف، وهذا الدعاء له بطول العمر والتوفيق ومزيد من العطاء.

هنا تبرز عظمة الرجال الذين جعلوا للثقافة معنى.