«هؤلاء الأطفال هشون للغاية.. كنت ألعب في الخارج لساعات دون أن يحوم والداي فوقي باستمرار».

هكذا قال أحدهم لزميله وهو يرى المبالغة في الحماية التي يسبغها الوالدان على أبنائهما الصغار بمجرد خروجهم إلى الشارع في إحدى المدن الأمريكية.

كان ذلك تعبيراً دقيقاً عن تغيّر عميق تعرضت له الأبوة والأمومة في أمريكا منذ عام 1980، حيث أدى الارتفاع النيزكي للتلفزيون الكبلي ودورة إخبارية مهووسة بالجريمة إلى تغذية التصور القائل بأن المجرمين العنيفين يتربصون في كل زاوية.

أصبح الأطفال المفقودون والمختطفون والقتلة موضوعات التغطية الإخبارية الواهية، فبرامج على مدى 24 ساعة تحتاج إلى الاهتمام بأقل التفاصيل وإعادة استهلاكها وإنتاجها، بعد ما كانت التلفزيونات وطنية وتركز فقط على القضايا الكبيرة.

ثقافة «السلامة» التي تبالغ في تقدير الخطر، وتسمح بعدم وجود مخاطر، أنتجت توقف الأطفال عن اللعب في الخارج، رغم أن عددا أقل وأقل من الأطفال غامروا وكشطوا ركبهم وهم يستكشفون العالم من حولهم.

هشاشة جيل

أدى الانخفاض الحاد في اللعب الحر إلى أن الأطفال توقفوا عن حل النزاعات بأنفسهم، وانتظارهم أحد الوالدين ليفرز لهم الأشياء، ويقول الأستاذ بجامعة نيويورك جوناثان هايدت والمؤلف المشارك جريج لوكيانوف في كتابهما «تدليل العقل الأمريكي»، «أدى صعود الآباء ذوي الحماية المفرطة إلى جيل من الشباب الهش للغاية».

ارتفع الاكتئاب والقلق والضيق العاطفي بشكل كبير بين طلاب الجامعات، ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن انتحار الشباب زاد بنسبة 56 % بين عامي 2007 و2017، وارتفع بنسبة 70 % بين الفتيات فقط.

صحيح أن أسباباً مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الأكاديمية وديون الطلاب وانتظار فرص العمل عوامل أسهمت في رفع نسب الانتحار بين طلاب الجامعات، لكن يرى هيدت ولوكيانوف أن «حماية الأطفال من جميع أشكال الأذى أو الانزعاج التي يمكن تصورها، تقود هؤلاء الأطفال إلى العجز عن التغلب على الشدائد والتعامل مع الظروف الصعبة».

في 1980 سعى الآباء لحماية أطفالهم من الجريمة وغيرها من أشكال الأذى الجسدي، لكن جيلا جديدا من الآباء سعى إلى عزل أطفالهم عن كل الأشياء المحيطة بما فيها الانزعاج العاطفي، وهذا ما ينتقده هيدت ولوكيانوف، ويريان أن «التعرض لأفكار وحالات غير مريحة تجعل الشباب أكثر مرونة وحكمة واستقلالية، ومبالغة الوالدين في الحمائية يعزز التبعيات العاطفية والمعنوية التي تضر بشدة».

فرط حماية

عندما يصل الأطفال الذين يعانون من فرط الحماية إلى الجامعة، لا يعود آباؤهم قريبين لإنقاذهم من المواقف الصعبة، ولذا تصبح التجربة الجامعية مؤلمة بشكل لا يطاق للعقل الهش، ويقول هيدت ولوكيانوف «هذه الهشاشة المفرطة أدت إلى ظهور مفاهيم مثل «الأماكن الآمنة» و»التحذيرات الزائدة» و»الاعتداءات الصغيرة»، وكلها تهدف إلى تقليل الانزعاج العاطفي في الحرم الجامعي، وكما لاحظ الرئيس السابق أوباما، فإن «التدليل» هذا يتعارض بشكل مباشر مع التعليم العالي النابض بالحياة».

ويؤكد هيدت ولوكيانوف أن «مديري الجامعات يبالغون في ظاهرة الحماية ويشجعونها من خلال تعزيز «السلامة» في الحرم الجامعي، وتهيئة الطلاب لحسابات مأساوية مع عالم ما بعد الكلية».

تذكير

يصر هيدت ولوكيانوف على أنه يجب تذكير الآباء بأن اختطاف الأطفال من قبل الغرباء أمر نادر الحدوث، وأن الجرائم العنيفة انخفضت بشكل عام، وبشكل كبير على مدى العقود الثلاثة الماضية، وبالتالي ينصحان بعدم المبالغة في حمائية الأطفال حتى لا يكبروا هشين.

ومع ذلك، فإن 82% من الأمهات يستشهدن بالجرائم والسلامة بسبب تشديد القيود على أطفالهن، إن استمرار الأساطير والمخاوف العنيدة بين الآباء الأمريكيين هو دليل على التأثير الضخم لوسائل الإعلام التي تعتمد على التصنيفات ودورة الأخبار على مدار 24 ساعة.

ما لم يتم تصديرها بنشاط، يبدو أن «الهشاشة» ظاهرة أمريكية فريدة، ربما يرجع ذلك إلى أن معدلات جرائم القتل أقل بـ5 مرات في أوروبا وآسيا عنها في الولايات المتحدة، ويستفيد الأوروبيون والآسيويون من مجموعة من محطات البث العامة المحترمة على نطاق واسع لا توجه إلى تغطية إخبارية مثيرة من أجل التصنيفات والأرباح.

طفرة ما بعد 2009

يشير مراقبون إلى أن الهشاشة شهدت طفرة انتشار في أمريكا ما بعد عام 2009.. قبل البث التلفزيوني، نادراً ما كانت النشرات الإخبارية الوطنية تكرس وقتًا لمتابعة ارتكاب جرائم قتل فردية أو جرائم لمرة واحدة، لكن بزوغ فجر الدورة الإخبارية على مدار 24 ساعة، نشر تغطية إعلامية مثيرة للعنف، وخاصة ضد الأطفال في ملايين المنازل الأمريكية.

تغطية إعلامية وطنية لا هوادة فيها لاثنتين من جرائم قتل الأطفال البشعة - وفاة جون بينت رامزي عام 1996 وقتل بولي كلاس عام 1994 - أثرت على الأرجح على الآباء الأمريكيين». من المثير للاهتمام، أن الطلاب الذين دخلوا الكلية عام 2014 - عندما تصاعدت الهشاشة في الحرم الجامعي - ولدوا في نفس العام الذي قتل فيه رامزي، علاوة على ذلك، بدأ الشباب الذين كانوا في سن رامزي عندما توفيت بدخول الكلية نحو عام 2009.

وبالتالي، فإن النظرية هي أن التغطية الإعلامية المثيرة، التي لا هوادة فيها، لاغتيالات رمزي وكلاس أدت إلى ارتفاع في الحمائية الأبوية المفرطة في منتصف التسعينيات.

أدى هذا إلى جيل من الشباب الهش الذي يطالب بأن تحميه الجامعات، وهو تطور مثير للقلق.

أسباب طفرة الهشاشة بعد 1980

- دخول تلفزيون الكابل وتوسع ساعات البث التلفزيوني

- تركيز إعلامي مبالغ فيه على الجرائم

- تغطية مبالغ فيها لأخبار مقتل اثنين من الأطفال عامي 1994 و1996

- رغبة الآباء في الحماية المفرطة لأبنائهم

- تركيز الجامعات على تعزيز السلامة بشكل مفرط

- مبالغة أمريكية في الحماية للأطفال

- معدلات الجريمة في أوروبا وآسيا أقل 5 مرات من أمريكا

- تلفزيونات أوروبا وآسيا لا تركز على الإثارة والجرائم