تعرف الصلابة النفسية بأنها مزيج من ثلاثة مواقف هي الالتزام والتحكم والتحدي، التي توفّر معًا الشجاعة والحافز اللازمين لتحويل الظروف العصيبة من المصائب المحتملة إلى فرص للنمو الشخصي، ومن خلال هذا التعريف نلحظ أن الصلابة النفسية لا تقتصر على الشق الدفاعي إن صح التعبير، بأن يسعى الإنسان للدفاع عن نفسه تجاه الضغوط والأزمات النفسية فقط، بل لها شق هجومي بأن يحول الإنسان الصلب نفسيًا هذه الضغوط والأزمات إلى فرص للنمو الشخصي والتطوير والتحسين، فلا يقتصر على العودة إلى نقطة الصفر وإلى المربع الأول الذي كان عليه قبل الأزمة، بل يعمل على تنمية نفسه والارتقاء بها، أو أنها بتعبير آخر تحويل المحنة إلى منحة. وترتبط تعريفات الصلابة النفسية بما تشتمل عليه من مفاهيم التقبل والتحمل والجَلَد والتعافي والارتقاء، وفي جزء كبير منها بما يُعرف بعوامل الوقاية، وأثبتت نتائج الكثير من البحوث الوقائية للصلابة النفسية أن تنمية الصلابة النفسية تفضي إلى زيادة معامل التقييم الإيجابي للذات، والإحساس بالتطور والارتقاء الشخصي، والاعتقاد بأن الحياة هادفة وذات معنى، وكذلك يفضي إلى تحسين جودة العلاقات الاجتماعية المتبادلة مع الآخرين، والقدرة على إدارة المرء لحياته بفاعلية فضلًا عن الإحساس بامتلاك زمام الذات، وتقليل احتمالات المعاناة من الاكتئاب والقلق.

ويربط بعض الباحثين بين مفهوم الصلابة النفسية وبين تنمية الصحة النفسية على فكرة أن الشدائد والمحن تنشط بما يعرف بالعتاد النفسي للمواجهة وإثبات الذات، وتتضمن العوامل التي تساعد على سرعة وفاعلية التعافي وفي نفس الوقت عوامل الحماية أو الوقاية، ويرتبط بمدى قوة جهاز المناعة ومستوى الحصانة النفسية التي يتمتع بها الشخص ومستوى الخبرات الإيجابية التي تعايش ويتعايش معها.

ولعل من أهم ما يشير إلى أهمية الصلابة النفسية ويدلل عليها هي خصائص الأشخاص ذوي المستويات المرتفعة منه، ومدى انعكاسه على نوعية ومستوى جودة حياتهم، ومن أبرزها بحسب ما طرحه كل من أنجي هارت، ديريك بلنكو وهيلين توماس Hart, Blincow& Thomas (2007): 1 - تتضمن العلاقات الاجتماعية المتبادلة لذوي المستويات المرتفعة من المرونة النفسية عنصر بذل وتلقي المساندة الانفعالية، وهذه الارتباطات الانفعالية حاجة إنسانية أساسية تدفع باتجاه تأسيس وإقرار الإحساس بالانتماء، فضلاً عن كونها مصدرًا للطمأنينة والأمن النفسي.

2 - لديهم إحساس بالاستقلالية والاعتماد على الذات وبالقدرة على اتخاذ القرار دون انصياع لإملاءات الآخرين، وبالتالي الاعتزاز بالذات وما يرتبط بها بطبيعة الحال من الاندفاع الإيجابي لإثبات الذات وزيادة إمكانية تحمل الإحباط، وتُعد القدرة على تحمل الإحباط أحد أهم عوامل الوقاية من الولوج في مسار الاضطرابات النفسية والسلوكية.

3 - لديهم مستوى مرتفع من مهارات حل المشكلة، فضلاً عن قدرتهم على التفكير قبل الفعل. وبالتالي التروي وتجنب الاندفاع، مما يقلل من احتمالات الأخطاء أثناء التفاعل الاجتماعي مع الآخرين أو أثناء حل المشكلات.

4 - لديهم نظرة إيجابية للذات وإحساس عام بالثقة والقدرة والكفاءة، ولا يعني ذلك انتفاء كافة مظاهر الشك في الذات، بل اعتبار هذا الشك نقطة تحول دافعة باتجاه التغلب عليه.

5 - لديهم القدرة على إدارة الانفعالات والمشاعر القوية السلبية منها والإيجابية، فربما تواجه مثل هذه النوعية من الأفراد مواقف تفاعلية صعبة أو ضاغطة تولد بالضرورة مشاعر قوية مربكة ومقلقة، إلا أن الصلابة النفسية تمكن الأفراد من الإدارة الإيجابية الفعالة لهذه الانفعالات والمشاعر على مستوى التفهم والتنظيم والضبط والتعبير، في إطار عام من الثقة بالذات والإحساس بالجدارة الشخصية. 6 - لديهم مستوى مرتفع من المثابرة والاجتهاد، وهذه خاصية ضرورية للمجاهدة والتحمل والصبر بغض النظر عن المتاعب والمصاعب، وبالتالي الاستمرار في مسار تحقيق الذات تحقيقًا إيجابيًا باعتبارها غاية أساسية ومؤشرا رئيسيا للصحة النفسية.

ومن المكونات الأساسية الأخرى للصلابة النفسية ما يشار إليه بالقدرة على تعديل التفكير، فمن السهل جدًا أن يقع الإنسان في الضيق والكدر الانفعالي حال مواجهته متاعب أو مصاعب أو أحداثا صادمة بل قد يصل الأمر بالبعض إلى الإحساس باليأس والعجز، وهنا ربما يكتب الإنسان لنفسه شهادة وفاته نفسيًا، وعليه تأتي الأهمية الوقائية للصلابة النفسية بوصفها خاصية أو سمة شخصية تمكن من يتمتع بها من الاحتفاظ بتفاؤله واستبشاره واندفاعه نحو المستقبل، بتوقع للأفضل والنظر إلى مآلات الأحداث نظرة تفاؤلية، وكل هذا متوقف على قدرة الإنسان على تغيير أنماط التفكير السلبية والتوظيف الإيجابي لقدراته الشخصية، ولمصادر المساندة والدعم في البيئة التي يعيش فيها.

كما أن من أهم وأبرز العوامل التي تؤدي للصلابة النفسية هي الإيمان التام بالله وبأقداره، فكلما ازداد إيمان ويقين الإنسان بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل ما يصيب الإنسان قد قدّره الله سبحانه وتعالى عليه قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كلما ازدادت الصلابة النفسية لديه، وازداد التحمل والتقبل لقضاء الله وقدره، وكلما ازداد اقتراب الإنسان من الله وصلته به بالعبادة والمناجاة كلما ازداد أنسه وأمله، وقل اليأس والإحباط عنده.

ومن خلال ما سبق من سمات وخصائص للأشخاص الذين يتمتعون بالصلابة النفسية فإنه يتضح لنا جليًا أهمية الصلابة النفسية، ودورها الجوهري والمحوري لا سيما في ظل انتشار الأزمات والضغوطات النفسية بشكل كبير في العالم، وعلى سبيل المثال أزمة كورونا التي اجتاحت العالم، وانعكست آثارها النفسية على الناس بشكل لا يقل خطورة عن آثارها الصحية والمادية والاقتصادية، بما يجعل لزامًا على الناس أن يفكروا بشكل أكثر جدية في تقوية وتمتين بنائهم الداخلي والنفسي، الذي تعتبر الصلابة النفسية من مكوناته الهامة والجوهرية، وأن الإيمان بالله والإيمان بالقضاء والقدر من أهم العناصر المساعدة في تحقيقه.