أعاد تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، واتهامات الفساد التي طالت الطبقة السياسية في لبنان، والتداعيات التي تلتها من استقالة الحكومة والغضب الشعبي، ملف الفساد السياسي إلى الأضواء، مع كل التبعات التي يجرها والمتاعب التي يسببها.

ومقابل إحراز المملكة تقدما بـ7 مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد CPI لعام 2019، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في يناير 2020، محتلة المركز 51 عالمياً، من أصل 180 دولة، متقدمة في مركزها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية G20 لتحقق المركز الـ10، احتلت كثير من الدول العربية مراكز متأخرة في ترتيب المؤشر، ما يؤكد حجم الفساد الذي تعانيه وعدم الرغبة الجدية والفعالة في محاربته.

ولا يقف الأمر عند الدول العربية وحدها، فحتى كثير من الدول العالمية لا تقدم جهدا حقيقيا في مكافحة الفساد، وهو ما أظهرته دراسات نشرتها منظمة الشفافية الدولية في العاصمة الألمانية برلين، حيث بيّنت تراجعا واضحا في مكافحة الفساد والرشوة على مستوى العالم.

إساءة استخدام

يمكن القول إن الفساد السياسي هو إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) تحقيقا لأهداف غير مشروعة، تكون في الغالب أهدافا سرية تخفي تحقيقا لمكاسب شخصية، ويتجلى الفساد السياسي في صور عدة متنوعة، منها المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب أو أفراد الحزب أو الجماعة أو التنظيم السياسي، وكثيراً ما يسهل النشاطات غير المشروعة وغير القانونية مثل الإتجار بالمخدرات والأشخاص وغسيل الأموال والدعارة، كما أنه يدعم النشاطات الإجرامية الأخرى، مثل القتل الخطف والابتزاز والاحتجاز غير القانوني وغيرها.

ولا تعتمد جميع الدول معايير ثابتة وموحدة لتصنيف الفساد السياسي، فثمة اختلافات كبيرة بينها في ذلك، فقد يكون الدعم الانتخابي ماليا مباحاً في بلد، لكنه مجرّم في آخر، وقد تكون صلاحيات الشرطة والأمن في بلد واسعة إلى حد يصعب التمييز بينها وبين استغلال السلطة، وقد تنطوي تلك الصلاحيات أحيانا على تصرفات عنصرية مجرّمة كذلك.

استنزاف المصادر

كثيرا ما تواجه العابر على الطرقات في لوحات تتحدث عن التأثير السلبي للفساد، وهو تأثير معطّل للتنمية حسب تلك اللوحات، لكن كثيرين لا يدركون وجه الربط بين الأمرين، لكن إدراك أنه يعطل المساءلة ويقود إلى التوزيع غير العادل للخدمات، ويقود في المحصلة إلى التأثير السلبي في القدرة المؤسساتية للحكومة حيث يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، كما يقود إلى تقويض شرعيتها وينتهي إلى عدم الثقة بها، وعدم التسامح مع عثراتها كما حدث في لبنان على سبيل المثال أخيراً.

انهيارات كبيرة

يمتد تأثير الفساد ليلقي ظلاله على التنمية الاقتصادية، ويؤدي إلى حالات عجز ضخمة، وانهيارات كبيرة في الاقتصاد، وزيادة كلفة العمل التجاري الذي يضطر إلى تقديم مدفوعات غير مشروعة، ويزيد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسؤولين ومخاطر انتهاك الاتفاقيات أو الانكشاف.

ويتجلى الفساد في الجانب الاقصادي في كثرة الرشاوى، وابتكار المسؤولين لتعليمات وتنظيمات، والتفنن بحالات تأخير في إنجاز المعاملات، ويحمي الشركات ذات المعارف في الحكومة من المنافسة، ليكون وقودا لاستمرار الشركات غير الكفوءة.

وللحصول على الرشاوى يعقد المسؤولون المتطلبات الفنية لمشاريع القطاع العام، ويشوهون بالتالي استثمار المال العام، ويخفضون من حيث المحصلة معدلات الالتزام بضوابط البناء والمحافظة على البيئة وغيرها من الضوابط، وينتهون إلى تردي نوعية الخدمات الحكومية وزيادة الضغوط على ميزانية الحكومة.

تهريب 187 مليارا في ربع قرن

اتخذ الفساد في إفريقيا وآسيا وهي من أكثر القارات فسادا، أنماطا مختلفة بين القارتين، ففي إفريقيا اعتمد الحكام الديكتاتوريون الذين ابتليت بهم بلدانهم نمط تحريك رأس المال إلى الخارج بدلاً من استثماره في الداخل (معظمهم أنشأ حسابات مصرفية في بنوك سويسرا حيث السرية مرتفعة جدا).

أما في آسيا فاتبعت بعض حكوماتها أو مسؤوليها نمط الحصول على حصة في كل شيء.

وقدر باحثون في جامعة ماساشوسيتس أن تهريب رؤوس الأموال من 30 دولة إفريقية للفترة بين 1970 و1996 بلغ 187 مليار دولار وهو ما يفوق مديونيات هذه الدول مجتمعة، وهو ما ينجم عنه تخلف أو تنمية منقوصة.

وقادت الانقلابات الكثيرة في إفريقيا وعدم الاستقرار السياسي في تولي حكومات جديدة لمقاليد الحكم، ومصادرتها أرصدة سابقاتها التي حصلت عليها عن طريق الفساد، وهو ما شجع المسؤولين الأفارقة على تخزين ثرواتهم خارج البلاد لكيلا تطالها قرارات المصادرة الحكومية في المستقبل.

معايير قياس

لا يبدو قياس الفساد بلغة الإحصاءات، أمرا متيسرا ومتاحا، إذ يستلزم ذلك أن يكون المشتركون في الإحصاءات على قدر كبير من تحمل المسؤولية، وعلى قدر جيد من التعاون.

وتعتمد المنظمة العالمية للشفافية، وهي منظمة رائدة في مجال محاربة الفساد، ثلاثة معايير يتم تحديثها سنوياً لقياس الفساد وهي:

أولا: مؤشر إدراك الفساد (وهو مؤشر يقوم على آراء الخبراء حول أحوال البلدان الفاسدة).

ثانيا: البارومتر العالمي للفساد (وهو مؤشر يقوم على استطلاعات مواقف الرأي العام وخبرتهم مع الفساد.

ثالثا: استطلاع دافعي الرشى الذي يبحث في استعداد الشركات الأجنبية لدفع الرشى.

وتنشر المنظمة تقريرا دوليا حول الفساد على موقعها، كما يجمع البنك الدولي معلومات مختلفة حول الفساد وينشره على موقعه، ويشتمل على مجموعة من المؤشرات الحكومية.

وتجري المنظمة العالمية لمراقبة الفساد استطلاعات لإدراك وجود الفساد، وكثيرا ما تثير استطلاعاتها والنتائج المعلنة جدلا، لأنها تقوم على الإدراك الموضوعي، فتوفر التكنولوجيا المتطورة في الدول التي يعدها جمهور الرأي العام "الأقل فساداً" قد يساعدها على إخفاء الفساد عن أعين شعبها أو على جعل ممارسات الفساد تبدو شرعية.

ومع ذلك لا يمكن إهدار قيمة هذه النتائج في تحديد جدية الدول وقدرتها على مواصلة مكافحة الفساد، ومن هنا كذلك يمكن تقدير ما أكدته دراسة للمنظمة من أن الحرب على الرشوة والفساد لا تحقق نجاحا في معظم دول العالم، بل وربما منيت بانتكاسات ملحوظة في أكثر من بلد.

وفي تقرير لمنظمة الشفافية العالمية صدر في 23 يناير 2020 أكد المؤشر العالمي للفساد، أن بلدا مثل ألمانيا لم يستطع تحسين مستوى مكافحة الفساد، إذ حققت وفقا للمؤشر 80 من إجمالي 100 نقطة عام 2019، وبهذه النتيجة ظلت عند نفس مستوى عام 2018، مما جعلها تشغل المركز التاسع بين دول العالم، وبفارق واضح بعد الدنمارك ونيوزلندا، وهذان البلدان يحتلان قمة المؤشر.

وتسجل الدراسة الفساد الذي يتم رصده في الاقتصاد والسياسة والإدارة في القطاع العام في 180 دولة، معتمدة في ذلك على تحليل بيانات 12 مؤسسة مستقلة متخصصة في تحليل إدارة الحكم والمناخ الاقتصادي في هذه الدول.

وأكد معدو الدراسة أن مكافحة الفساد تراجعت حتى في 4 من الدول السبع الصناعية الكبرى، وهي كندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، في حين لم تتحسن في ألمانيا واليابان، ولكنها تحسنت في إيطاليا فقط.

تراجع عربي

تتقدم السعودية بشكل حثيث في مكافحة الفساد، وحققت بعض الدول العربية بعض الحضور لكنها لم تحقق تحسنا كبيراً، وإن بقيت دول الخليج في الصدارة عربيا في مكافحة الفساد، فيما استمر تراجع دول شمال إفريقيا، فتونس مثلا ظلت تراوح مكانها في هذا المجال واحتلت المركز 74 بمجموع 43 نقطة. أما المغرب فقد شهد تراجعا ملحوظا في المؤشر، من 43 نقطة عام 2018 إلى 41 نقطة عام 2019 ليحتل بذلك المركز 80 في ترتيب منظمة الشفافية الدولية.

وتحتل ليبيا المركز 168 بحصولها على 18 نقطة من مجموع 100 نقطة. ويبدو أن ظروف الحرب الأهلية واستمرار الصراع على السلطة من مبررات انتشار الفساد في البلاد وعلى كل الأصعدة.

أما مصر والجزائر فتتقاسمان المركز 106 عالميا، وهو نفس ترتيبهما في العام السابق.

في المقابل، بقيت الدول العربية التي ابتليت بالحروب الأهلية في ذيل قائمة مكافحة الفساد، وعلى الرغم من أن الأردن يعيش حالة من الاستقرار إلا أنه بدوره شهد تراجعا طفيفا في مجال مكافحة الفساد، حيث احتل المركز 60.

ويقبع لبنان والعراق وسورية واليمن، وهي دول تعيث فيها أذرعة إيران فسادا في ذيل القائمة، لبنان يحتل المركز 137 منذ عام 2016، والعراق في المركز 162، فيما تحتل سورية المركز 178 بحصولها على 13 نقطة فقط، ما يدل على تراجع ملحوظ عن الأعوام الماضية. وحصل اليمن على المركز 177 بمجموع 15 نقطة وتراجع ملحوظ أيضاً عن الأعوام السابقة.

وتتذيل دولة عربية القائمة محتلة المركز 180 والأخير وهي الصومال، وتتقدمها بمركز واحد فقط جنوب السودان بالمركز 179.

الأقل والأكثر

تربعت دول غرب أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي على قائمة الدول الأقل فسادا حسب المؤشر، إذ حلت في المراكز الخمسة الأولى الدنمارك، ثم نيوزيلندا، ثم فنلندا، ثم سنغافورة، ثم السويد.

أما الدول الأكثر فسادا، فكانت فنزويلا واليمن وسورية ثم جنوب السودان، وأخيرا الصومال.

وتقدمت 22 دولة في محاربة الفساد، على رأسها اليونان وجوايانا وإستونيا، في حين تراجعت 21 دولة بينها كندا ونيكاراجوا وأستراليا.

أنواع الفساد

الرشوة

الابتزاز

استغلال النفوذ

المحسوبية

العمولات

الاختلاس

ظروف ملائمة للفساد

البنى الحكومية المتناحرة

تركيز السلطة

العجز المعلوماتي

01 انعدام الشفافية الحكومية في صنع القرار

02 احتقار أو إهمال ممارسات حرية الكلام أو الصحافة

03 ضعف المساءلة وانعدام الإدارة المالية الملائمة

مصادر تعتمد عليها منظمة الشفافية

ـ منظمات دولية متعددة معتمدة لديها

ـ المنتدى الاقتصادي العالمي WEF

ـ منظمة البصيرة العالمية GI

ـ منظمة برتسلمان ستيفتونغ BF،

ـ المعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD

ـ وحدة التحريات الاقتصادية EIU

ـ مؤسسة خدمات المخاطر السياسية PRS

ـ مشروع أنماط الديمقراطية VDEM

الفرص والمحفزات:

1ـ عمليات استثمار كبيرة للأموال العامة

2ـ انخفاض رواتب الموظفين الحكوميين

* الظروف الاجتماعية:

1ـ النخب الأنانية المنغلقة وشبكات المعارف

2ـ تفشي الأمية

3ـ قلة الاهتمام العام

* العجز القانوني:

1ـ ضعف سلطة القانون

2ـ ضعف المهن القانونية

3ـ غياب الرقابة

7 توصيات لإنهاء الفساد

1ـ التضييق على فرص تضارب المصالح

2ـ مراقبة التمويل السياسي

3ـ تعزيز نزاهة الانتخابات

4ـ تنظيم أنشطة الحشد الانتخابي

5ـ التصدي للمعاملات التفضيلية والمحسوبية

6ـ تمكين المواطنين من القرار السياسي ومعرفة حقوقهم المدنية والسياسية

7ـ إرساء المراقبة والمحاسبة