بالأمس، يشير الخبر الأبرز على الصفحة الأولى لهذه الصحيفة إلى إيداع كاتب عدل السجن بتهمة تزوير تسع وكالات لمصلحة تجار عقار تواطأ معهم في استخراجها لتخولهم بيع أراض تبين أنها لمواطنين لم يوكلوا أحدا لبيعها. وفي مدينة جدة أيضا، تشير صحيفة الحياة، بحر الأسبوع الماضي، إلى خبر مصادرة صكوك لأراض بمساحة 16 مليون متر مربع بعد أن ثبت أيضا أنها صكوك مزورة. وقصص حمراء مدوية مثل هذه الأخبار لا يجب في المطلق أن تسيء إلى الغالبية الأخرى من كتاب العدل الأبرياء ولا يجب أن تؤخذ كمفردة (نمطية) للتشكيك في الأمانة والنزاهة. ولكن الحجة في الجملة السابقة يجب أيضا ألا تعفي الجميع عن التعامي عن الخلل حين نستورد جملة التبرير الشهيرة بأن الشاذ لا حكم له.
مجرد ورود كلمتي (كاتب عدل) في مثل هذه الأخبار يخلق انطباعا لاصقا بالقاموس اللغوي الجمعي ومهما حاولنا فصل الأبرياء عن المتهم فلن يكتب النجاح لمثل هذه المرافعة الاجتماعية. الجواب المؤكد يكمن أولا في الردع وثانيا في الحلول. كتاب العدل في الخبرين مع تجار العقار ومع نافذي البلديات ما زالوا على (أفعال حليمة) في العادة القديمة رغم أن حادثة السيول الشهيرة في ذات المدينة قد فتحت أحداق العيون واستأثرت بلجان التحقيق ومع هذا يبدو من الغرابة أن هذا – الكشكول – ما زال بمثل هذه الجرأة.
هؤلاء يقرؤون الرسالة الخاطئة التي تبثها القوانين المميعة في الحالات المشابهة، فالقاضي الأشهر في حادثة الاختلاس لجأ إلى – لبوس- الجن التي كانت مسؤولة وهي تملي عليه الاختلاس خارج الوعي، فمن هو الذي يستطيع فتح ملف التحقيق مع "الجن" إذا كنا في عجز عن القبض على انتهاكات الإنس. وإذا كانت لجنة التحقيق العليا قد ساقت بالأدلة والقرائن عشرات المتورطين في كارثة سيول جدة وأخذت إقراراتهم على الورق المكتوب، فإن الأخبار نفسها ما زالت تلوك في المحاكمات وحتى اللحظة لم يصدر قرار قضائي في حق فرد واحد من ذات – الكشكول – بعد أربع سنوات من الحادثة. ما الذي يجعلها واحدة من أطول المحاكمات على تهم مكشوفة؟ والجواب أنني لا أعرف. لكن الجواب الذي أعرفه جيدا أن هذه الطرق الطويلة تبث الرسالة الأخطر إلى كل القادمين على ذات الطريق. كأننا نقول لهم إن الطريق به ألف تحويلة تمنع من الوصول إلى المقر الأخير لعل أولها – يا شيخنا جزاك الله خيرا – وآخرها أن تلبس – الجن الأزرق – إن فات عليك الهرب من التحويلات الجاهزة المتاحة. وعذرا لآلاف الأبرياء: إنها التفاحة الفاسدة.