ما أن يحين العصر من كل يوم، حتى يلبي كثير من المتقاعدين (50 إلى 60 عاما) في محافظة أبو عريش، نداءات قلوبهم، فيخرجون ميممين شطر الملتقى اليومي بجوار الجامع الأوسط، حيث يبدؤون رحلة يومية لاسترجاع ذكريات السنين الماضية، وهي وجبة يومية يتناولونها مع احتساء الشاي كعادة يومية يشاركهم فيها ضجيج المكان حيث يختلط فيه المسنون بالشباب، وسط أبواق السيارات وزحام المارة، كاسرين رتابة الأيام، ومكتسبين صداقات حديثة.

ويتساءل عدد من رواد المكان، عن سر التواجد الكبير للكبار في الموقع، والزحام الشديد، ويقابل المسنون تلك التساؤلات بابتسامات تدل على الرضا ويرحبون بمن يرغب في مجالستهم والاستفادة من أحاديثهم، التي تعبر عن إرث مكنون داخل صدورهم، يحتاج إلى من يسمعهم، ويستفيد من دروسهم اليومية، وسط مناداة يومية للمارين بعبارة «تفضل معنا، وشاركنا الجلوس».

ملتقى يومي

يشبه كثيرون من مرتادي الملتقى الأوسط، المكان بتجمعات الشواطئ والمتنزهات، بل تجاوزوا ذلك لمقارنته بساحات التجمعات في بعض الدول العربية والأوروبية، على الرغم من بساطة المكان وافتقاده للتجهيزات، إلا أن الزائر للملتقى المفتوح اليومي دون ترتيبات مسبقة، يشعر بسعادة بالغة، حيث تختلط أفكار الماضي والحاضر والمستقبل، والتي يسرقها قصر المدة الزمنية، التي تنتهي مع أذان المغرب.

ويكتظ الملتقى بالمرتادين يوميا، حيث تتشكل فيه حلقة دائرية وسط جماعات، ينهمك البعض خلالها في سرد الأحاديث اليومية، وسط نظرات أصحاب المهن في الدكاكين المجاورة، فيما يؤدي بعض المسنين دور المقدم للحكاوي، ويعقد البعض منهم صداقات مع الحمام حيث ينثرون الحبوب على الأرض، ويتابعون تهافت الحمام عليها.

شهرة المسنين

وجد الكثير في الملتقى بديلا يغني عن إحساسهم المتنامي بالوحدة الذي تفرضه كثيرا إحالة كثير منهم إلى التقاعد بعد الوظيفة، ووجد بدوره أصداء مشجعة حيث سيطر على أحاديث الناس في أبو عريش، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي تناولت كيف حوّل هؤلاء المسنون ببساطتهم ساحة الجامع الأوسط إلى ملتقى يومي، حتى ارتفعت دعوات مطالبة الجهات الرسمية بتهيئة المكان بشكل أفضل، وإقامة فعاليات مبسطة للمسنين بعيدا عن الأجواء الرسمية، وإشعارهم بمشاركة أطياف المجتمع لهم.

يقول محمد مدخلي «أتردد يومياً على المكان برفقة ابني، وقد ساهم بتغيير حياتي للأفضل، حيث تعرفت على أصدقاء جدد أشاركهم متعة الأوقات المسلية، وعلى الرغم من أنني بلغت السبعين إلا أن تواجدي في الملتقى أصبح عادة يومية، وبعد عودتي للمنزل أنقل للأسرة القصص الطريفة التي سمعتها بالملتقى فيشاركوني الابتهاج بها».

ملتقى ثقافي

قال سالم العمار، وهو متقاعد من السلك العسكري منذ 20 عاما «وفر الملقتى لنا أجواء جديدة نحن المتقاعدين، فقد بتنا نودع كآبة جدران المنازل والوحدة عصر كل يوم ونضبط توقيتنا على فترة العصر، وقد أعاد لنا المكان الإحساس بالانضباطية التي عشناها خلال عملنا العسكري السابق، من خلال التقيد والتواجد بالزمن المحدد دون تأخير».

وبين أن «المكان يعد ملتقى ثقافيا رغم بساطته»، مؤكداً أن عائلته تعد له بعض الأطعمة الخفيفة التي يوزعها على مرتادي المكان ويتشارك معهم في تناولها.

منافسة الشباب

يبين عبدالله حسن، أن المسنين باتوا ينافسون الشباب في التجمعات والملتقيات التي لم تعد حكرا على الشباب، مشيرا إلى أن ملتقى المسنين يحمل رسالة كبيرة للمجتمع، أنهم ما زالوا قادرين على تقديم الخبرة والفائدة لخدمة وطنهم ومجتمعهم، وتقديم رسائل توعوية وتثقيفية لشباب اليوم بطرق معبرة وميسرة، تحكي خبراتهم السابقة، وأنه لا مفر من الاستفادة منهم، مطالبا الشباب بالجلوس معهم، والاستفادة من أطروحاتهم اليومية، التي تبتعد عن التقليدية والرسمية.

وطالب المواطن محمد إبراهيم الجهات المختصة مثل البلدية، ولجنة التنمية، والفرق التطوعية، بتطوير المكان، وتحفيز المسنين، وتوفير الطاولات والكراسي وتنظيمها، وتوفير بعض الألعاب القديمة التي كانوا يمارسونها سابقا مثل الضومنة، والكيرم، والشطرنج، مبينا أن ذلك سيشعرهم بالأنس والسعادة، لما يجدونه من اهتمام بالغ من المجتمع، وأن خدمة مثل هؤلاء شرف كبير، مؤكدا أن التفاعل المجتمعي سينعكس أثره إيجابيا نحوهم بشكل كبير، متأملا مستقبلا تبني إحدى الجهات خدمة مثل هؤلاء.

لوحة تشكيلية

أكد أمين عام جمعية جسفت الفنية خالد شريفي، أن ملتقى المسنين يمثل لوحة تشكيلية فريدة، أعادت حياة الآباء والأجداد، مشيرا إلى أن تواجدهم اليومي يشعر كثيرين بالفرح، والاختلاط معهم، والاستفادة من أحاديثهم اليومية، مضيفا أنهم يقدمون رسائل غير مباشرة مفادها «نحن هنا، أين أنتم»، والتي يأمل من خلالها الاستفادة منهم، وتطوير المكان، الذي يعد واجهة للمحافظة، وبحاجة إلى لمسات فنية، يبرز تاريخ وموروث المحافظة الأصيل، خاصة أن المكان قريب من قلعة دار النصر التاريخية التي تشتهر بها المحافظة.

- الملتقى يجمع كبار السن

- موعده اليومي بعد العصر وحتى المغرب

- يختلط فيه المسنون والشباب والراغبون بمشاركتهم الأحاديث

- مطالبات بتجهيز المكان ليكون لائقا أكثر

- أحاديث الذكريات والخبرات السابقة تسيطر على الملتقى