التجرد في التفكير والتعبير، والتقرير والتدبير، يشترط له «الاستقلال» الفكري والمالي، بحيث لا تؤثر عليك إيديولوجيا أو أجندة، ولا دوافع مالية؛ إما لحاجة ماسة أو طمع مذموم.

وقبل ذلك ومعه يحتاج التجرد لبيئة مساعدة، إن لم تفتح له المغاليق؛ فإنها لا تغلق عليه الأنفاس عبر مزايدات فردية وجماعية، فضلاً عن رسمية باجتهادات شخصية.

وفي جميع الأحوال؛ وحتى في حال توفر شروط «التجرد»؛ فلا بد من الالتزام بمثلث الشريعة الدينية والقانون الوطني والأخلاق الإنسانية التي تضبط الإيقاع في كل الأمور.

لأني لاحظت في «الواقع العربي» اختلالا في هذه الشروط، فاختلط الحق بالباطل، والصالح العام بالخاص، والشرعي بالمحرم، والقانوني بالمخالف، والأخلاقي بخلافه.

ولذا أحترم المخالف ما دام متجرداً، وأمقت المتفق ما دام منساقاً بلا وعي، مما يجعل المخالف يملك قراره ويحترمك، والموافق يتقلب بلا ضمانات.

وكلما ازداد تجردك فيزيد معه صعوبة تعاملك مع من لا يملكون هذه المعايير السامية التي تحافظ على كرامة الإنسان ومصلحته الدنيوية والأخروية.

وكالعادة في سنة الله الكونية أن المتجرد هو الذي ينفع العموم على حساب مصلحته، وذلك ابتداء بالأنبياء وامتدادا لورثتهم ليس من علماء الشريعة فحسب بل كل عالم ومفكر ينفع البشرية لصالح دينها ودنياها.

ولذا ينبغي على «المتجردين» أن يفخروا بحريتهم، وعقلانيتهم، مهما شعروا بالغربة في عالم يموج بالمؤدلجين والمنحازين لمصالحهم الذاتية على حساب البلاد والعباد.