هل دخلت مستوصفاً خاصاً، هل احتجت إلى زيارته يوماً؟ كثيرة هي المستوصفات الخاصة والجميل أنها تقريباً في كل حي، وهنا أنا أتحدث عن المستوصفات الخاصة وليس المراكز الصحية التي وفرتها وزارة الصحة لتكون المرجع الأسهل لأهالي الأحياء السكنية، ولكن لأن أغلب المراكز الصحية لها دوام محدد فإن الناس تلجأ للمستوصفات الخاصة في الأوقات التي لا تتوفر فيها خدمات المركز، أو أولئك الذين ليس لديهم أهلية علاج في المراكز الصحية.

توفر الخدمة الصحية في الأحياء على مدار الساعة شيء جميل، ولكن المهم هو جودة تلك الخدمة، كفاءتها، وكيفيتها. من حق كل مريض أن يتلقى الخدمة الصحية ليس بقدر ماله بل بقدر احتياجه وما تستدعيه حالته. مثلاً مريض يشتكي من صداع ليس بالضرورة أن أطلب له أشعة للصدر إلا إذا كانت هناك دلائل أخرى تدعو لذلك، ارتفاع درجة الحرارة لا تستدعي محلولا في الطوارئ، والتهابات الحلق لا تستوجب إبرة مضاد حيوي في العضل لعدة أيام، فالفيروسات هي المسبب الأكبر لالتهابات المجرى التنفسي العلوي وتلك لا تحتاج للمضادات الحيوية، المريض ليس مشروع كسب، والمسألة ليست مسألة كيف تجني مالاً من جيوب المرضى.

طبيبة من جنسية عربية كانت تتدرب لدينا في طب الأطفال، وبعدما أنهت تدريبها عملت في أحد المستوصفات الأهلية وبعد وقت طويل قابلتها في مؤتمر طبي فحكت لي كيف كان يُطلب منها عمل فحوصات للمرضى وعندما كانت تقول: لكن ليس كل مريض يحتاج إلى تحليل كانوا يهددونها بالفصل إذا هي لم تفعل ذلك، وبالفعل لم تستمر معهم لأنها صاحبة مبدأ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. حينما قصت علي حكايتها قدرت شخصها وكبرت في نظري، فالذين يقتاتون على آلام الآخرين تسقط إنسانيتهم ويخالفون القسم الذي أقسموه يوم تخرجهم، كلنا رددنا القسم وأشهدنا عليه ربنا، أو علينا التكفير عن قسم أقسمناه بكامل وعينا وكامل إرادتنا!

الطب هو المهنة الأسمى على الإطلاق والطبيب هو الأكثر إنسانية، الطبيب أو الحكيم في أقوال أخرى هو الأقدر على تقدير ما يحتاجه مريضه، سواء في منشأة حكومية أو خاصة، أحياناً كثيرة نقابل مرضى هم من يطلبون عمل الأشعات والتحاليل التي لا علاقة لها في كثير من الأحيان بالحالة، كما تعلمنا التاريخ المرضي والفحص السريري هما مفتاح التشخيص الصحيح وبعدها تتقلص لدينا قائمة التحاليل إذا احتجنا لها، فتسلم جيوبهم وترتاح أجسادهم من وخز إبرٍ في أحيان كثيرة لا يحتاجون لها إلا من باب زيادة المكسب المادي بالذات في المستوصفات الخاصة.

أرى أنه يجب تعيين طبيب متخصص في طب الأسرة من وزارة الصحة للمتابعة الدورية للمستوصفات الخاصة في كل منطقة من المدينة، لمراجعة الإجراءات الطبية والوقوف على القرارات العلاجية وتسجيل أي مخالفات، فذلك سوف يزيد من كفاءة الخدمات الصحية التي تقدمها المستوصفات الخاصة، وتجعل من المستوصفات الخاصة بديلاً جيداً للمستشفيات، لمعاينة الحالات البسيطة والحالات الباردة متى ما أراد المريض.

@seniordoctor