أزمة خلف أزمة، سواء على صعيد الأفراد أو الأمم، لا تكاد تنتهي هذه الأزمات إلا وقد تركت أثرا قد فرض نفسه، وإبداعا سيطر على المشهد، بطريقة أو بأخرى، قد لا يكون هذا الأثر ظاهرا للعيان، وقد يتم تهميش هذا الإبداع بدعوى الانشغال في تفاصيل الأزمات، وقد لا يكون مقروءاً بشكل واضح، ولكنه بين السطور محتلاً مكانا يصعب إخفاؤه.

الأزمات في معظمها ليس لنا فيها يد، وليس لمن يريد لهذا العالم تطورا، ومن يريد لنفسه سلاما أي تدخل في ذلك - بلا شك -، ولكن أن تحدث الأزمة ثم تنجلي، وما بين ابتدائها وانتهائها كم هائل من الأحداث وردات الفعل، فيها الجيد وفيها الإبداع، كما أن فيها السيئ والسلبي، كما هي سنة الحياة طبعا.

ولنأخذ أزمة كورونا على سبيل المثال لا الحصر، وعلى الصعيد المحلي لا الدولي أيضا، وكيف أن ضروبا من الإبداع، وأشكالا من التفنن والإتقان في مجال الخدمات والأعمال ما ليس له حصر، ولا لمداه قياس، فكم من تطبيقات ذكية استحدثت، وكم من إجراءات حكومية تسهلت، وكم من أعمال ليس لها أي حاجة ألغيت، وكم من مواهب ومبادرات على السطح طفت، وغيرها كثير وكثير.


وبلا شك، وبعد الانتهاء من الأزمة قريبا، سنكتشف إبداعات وأموراً قد نكون لم ندركها حتى اللحظة، أو لم نلق لها بالاً بحكم أننا ما زلنا نعيش دورة الأزمة.

إن الأزمات، سواء على الصعيد الفردي أو الأممي، تأتي لتلقي بظلالها على المشهد، ثم تفرض على بني البشر إبداعا ليس له مثيل، وابتكارا لم يكن هناك سبب للتفكير فيه في ما مضى، ثم ندرك أن هذه كانت نقطة تحول لخدمة الإنسان في نهاية المطاف ليمضي قدما لإكمال مهمته في عمارة هذا الكوكب.