خرجت من الفندق مبكرا، ولعل من أسباب ذلك أنني خشيت أن تكون تلك الغرفة «أو الكنُّ» قد حجزت لغيري فيطلب مني صاحب الفندق الخروج منها، قبل أن أقضي أربي من لندن، وما لي فيها من أرب سوى زيارة بعض المكتبات ولهذا كان أول ما قصدت فيها (المتحف البريطاني) الذي وصلت إليه الساعة 8:30، وكان لا يفتح إلا بعد تمام الساعة العاشرة، ولما دخلت بابه الخارجي محاولا أن أجلس داخل الأروقة اتقاء للمطر حتى يفتح منعني الحاجب، فخرجت وأمضيت الوقت متجولا في الشارع.

لم أحتج إلى دليل داخل المتحف مع سعته وكثرة أقسامه إذ حينما دخلت الباب الداخلي شاهدت مصورا – (خارطة)- يوضح أقسام المتحف، فاتجهت إلى القسم الشرقي من مكتبة المتحف، وأفهمت مدير هذا القسم بأنني لا أعرف اللغة العربية فاتصل هاتفيا بأحد الأقسام وبعد بضع دقائق كنت خلالها أطالع أسماء الكتب العربية المطبوعة الموجودة في غرفة مدير القسم الشرقي ما شعرت إلا ورجل أشقر اللون ذو عينين حادتي النظر، ووجه نحيل، ولحية معفاة، وإن لم تكن كثة، يقف بجانبي قائلاً: (السلام عليكم)، فرددت عليه السلام فقال لي: أنا موظف هنا وأتيت لمساعدتك فيما تريد، فأخبرته بأنني أحب الاطلاع على بعض المخطوطات العربية، التي تتعلق بتاريخ العرب أو جغرافية بلادهم، فأحضر لي فهرس الكتب العربية الموجودة في المتحف، في ثلاثة مجلدات وقدم لي ورقة وقال لي: إن هذه تمكنك الدخول إلى هذا القسم في خلال أسبوع، وإذا احتجت إلى شيء من الكتب المخطوطة فاكتب رقم الكتاب على ورقة من أوراق الاستعارة– وقدم لي شيئا منها – وأنا أحضر لك ما تطلبه من كتب، ثم ذهب وعاد إلى بعد برهة من الزمن وقد كتبت أسماء عدد من الكتب التي أريد، فأحضرها.

لقد عرفت عن هذا الرجل أنه إنجليزي من قرية قريبة من (مانشستر) وهو يدعى الدكتور مارتين لنجز ويعرف بهذا الاسم، وهو يشغل وظيفة مساعد حافظ في القسم الشرقي من مكتبة المتحف البريطاني، وقد أسلم وحج عام 1948 - وأقام في مصر من سنة 1939 إلى سنة 1952 واشتغل فيها في التدريس في كلية الآداب في الجامعة – وألف مؤلفات في التصوف - باللغة الإنجليزية - وهو يتكلم العربية بطلاقة، واسمه بعد ما أسلم (الحاج أبو بكر سراج الدين) ولكنه لا يعرف في المتحف البريطاني إلا باسم (لينجز) الاسم الإنجليزي الأول.

ويقوم الآن بتأليف كتاب عن (الشيخ أحمد العلوي المستغانمي الجزائري) سينشر في أول العام القادم (1961).

* 1960

* صحافي وكاتب سعودي « 1910 - 2000»