كتبت في هذه الزاوية قديماً مقالاً بعنوان (الشيوخ أبخص)، واليوم أستأنف الفكرة بعد تطورات الزمن وتغيرات الظروف.

والبخص بمعنى الفهم، والباخص هو الخبير الفاهم، وأنت أبخص بأمورك أي أعلم، ويقال في المثل (الشيوخ أبخص) أي أعلم.

وهناك ثلاثة مذاهب في التعامل مع البخص:

الأول: يعطي السياسي كامل الحق في «البخص»، ويمنع مخالفته، ثم يزايد، ويستعدي.

الثاني: الذي لا يعطي السياسي هذا الحق، ويتمرد عليه، ويثير الفتنة بمزايدات غبية وخبيثة؛ لمصالح شعبوية أو لأجندات مؤدلجة.

الثالث: يحترم السياسي، ويقدر معرفته، ويسلم له بالسمع والطاعة، ويثق في «بخصه»، لما يملكه من معلومات وتحليلات وتوصيات؛ تحقق المصلحة العامة للبلاد والعباد.

ولكنه في نفس الوقت لا يمنع الناس من حرية التعبير المسؤول، والذي تراه عند الدول المحترفة نوع من أنواع توزيع الأدوار.

فحينما لا تريد أي دولة اتخاذ القرار؛ فترفع الحرج عنها بطرق عديدة، فمرة بدعوى ممانعة البرلمان الذي هو في الحقيقة قد وزع الأدوار مع الحكومة، ومرة يحرك الشارع أو الرأي العام ليتغطى به.

ولذا من الحكمة «المشاركة» في الرأي، وكم من قرار سياسي استفاد من رأي فكري، وكم من رغبة سيادية استعانت بتوزيع الأدوار لتحقيق مصالحها.

وكم من رأي تعذر على السياسي البوح به، وقام نيابة عنه كاتب أو متحدث أو مغرد؛ وسهل مهمته وحقق هدفه.