«العالم قبل كورونا، ليس كالعالم بعدها».. مقولة طالما ترددت منذ بدء تفشي الفيروس واجتياحه دول العالم بكل ما تركه من تأثيراته على الحياة بكل جوانبها، وبكل الركود الذي يهدد به العالم، وهو ركود قد يقلب كل الموازين.

لكن هذه المقولة أعادت إلى الأذهان أصداء معركة جزيرة ديو التي جرت في ولاية كوجارات الهندية في 3 فبراير 1509 وقلبت موازين القوى في العالم، (فالعالم بعدها، ليس كما كان قبلها)، فقد أنهت سيطرة المسلمين على خطوط التجارة العالمية، وأعلنت فجر قوى الأوروبيين، وبدء عهد نهب ثروات الشرق وتهريبها إلى أوروبا التي استفادت منها، وفجرت باستخدامها نهضة مثيرة وبرزت بعد ذلك بقوة.

سبقت تلك المعركة حفر قناة السويس بأكثر من 350 عاماً، ولذا كانت الخطوط البحرية حينئذ مختلفة تماما عن حالها اليوم وبعد حفر القناة.

معركة تجارية

كانت معركة ديو 1509 تتويجا لحرب تجارية عالمية، وخاضها تحالف ضم قوات سلطنة غوجارات، وزامورين من كاليكوت الهنديتين، والمصريون (المماليك)، والدولة العثمانية من جهة، والبرتغاليون من جهة أخرى.

وأدى الانتصار الحاسم للبرتغاليين في هذه المعركة البحرية إلى نهاية العمالقة التجاريين القدامى، وأدى إلى قرون من الهيمنة البحرية والتجارية الأوروبية، التي شكلت العالم الحديث، وهيأت لسيطرة البرتغاليين (وبعدهم باقي الأوروبيين) على التجارة في المحيط الهندي للقرن التالي، وأسهمت بدرجة هائلة في نمو الإمبراطورية البرتغالية، ومن بعدها الامبراطورية البريطانية.

كانت المعركة تتويجا لحرب تجارية عالمية هدفها الأوضح السيطرة على تجارة التوابل والمنسوجات المربحة، كما انقلبت في بعض مراحلها إلى معركة انتقام قادها غرور بعض الرجال الأقوياء، حيث قتل فيها الابن الوحيد لنائب الملك البرتغالي، فقرر والده الانتقام له.

طريق تجارة البهارات

لاستيعاب أبعاد المعركة وأهمية أهدفها الحقيقية، لا بد من فهم طريق تجارة البهارات بين الهند وأوروبا، والتي كانت تمر عبر مصر.

منذ القرن العاشر وما بعده، سيطر تجار من ولاية كيرالا وتجار بانيا من ولاية كوجارات على تجارة الفلفل والمنسوجات على التوالي، وباعوا هذه المنتجات الشهيرة للتجار اليمنيين الذين أخذوا بدورهم هذه البضائع إلى مصر وباعوها إلى أهل البندقية.

من هناك، ذهبت تلك التجارة إلى بقية أوروبا.

بِيع الفلفل الذي تم شراؤه مقابل 4.64 دوكات (وهي عملة ذهبية أوروبية) في كاليكوت بنحو 80 دواكات في البرتغال.

كان الفلفل يباع بـ4.64 دوكات في كاليكوت، ثم يباع في الإسكندرية المصرية التي كانت تعد المركز العالمي لتجارة التوابل، مقابل 25 دوكات، أي خمسة أضعاف السعر في المنبع.

ثم يباع في البندقية مقابل 56 دوكات، وعندما يصل لشبونة (البرتغال) كان سعره يصل إلى 80 دوكات!.

كان ذلك حافزا خلقه اليأس لدى البرتغاليين، ودفعهم إلى إيجاد طريق بحري مباشر إلى الهند، والاستغناء عن كل الوسطاء.

وصول فاسكو دي جاما

أدى نزول فاسكو دا جاما وأسطولته في كاليكوت عام 1498، ومحاولتهم إقامة روابط تجارية مباشرة معها، إلى زعزعة الوضع الراهن فجأة، وسرعان ما كان هناك رد فعل.

ميناء كاليكوت، مركز تجارة عالمي للفلفل، وبتشجيع من تجار Marakkar المسلمين، سارع الزمورين إلى طرد البرتغاليين من كاليكوت، لكن البرتغاليين وجدوا حليفا جديدا يبيعهم الفلفل، وهو رجا كوشين، وسرعان ما بدأوا في البيع بأقل من الجميع.

أرسل زامورين وسلطان كوجارات والبنادقة مبعوثين إلى مصر يطلبون المساعدة.. كانت أجراس الإنذار تدق في الإسكندرية أيضا، حيث كان المماليك هناك هم الأكثر خسارة، فمصر كانت حينها جافة وقاحلة، وكانت تجارة التوابل مع الهند أكبر مصدر للدخل، ولذا وأخيراً، وفي عام 1505، قرر المماليك إرسال أسطول بحري ضخم إلى الهند لمحاربة البرتغاليين، ولأنهم لم يكونوا يتمتعون بالخبرة البحرية، كان عليهم أن يأخذوا المساعدة من البندقية.

الأسطول المملوكي بجدة

في 15 سبتمبر 1505، أبحر أسطول كبير مؤلف من 1100 جندي مملوكي ومرتزقة أتراك وإثيوبيين ومدفعين من البندقية وبحارة يونانيين بقيادة أميرال كردي هو الأمير حسين الكردي إلى الهند.

وبعد إقامة طويلة في جدة وهرمز، وصلوا إلى ديو بعد عامين في عام 1507، وكان حاكم ديو في ذلك الوقت مالك عياز (عبد روسي سابق)، ارتقى في الرتب تحت سلاطين مظفر في كوجارات، ومن خلال تعاملاته الذكية، طوّر ديو إلى ميناء تجاري رئيس، لكنه كان براغماتيا بما يكفي لإدراك التفوق البحري للبرتغاليين، ومع ذلك لم يكن لديه خيار سوى اتباع أوامر سيده محمود بيغادا، سلطان كوجارات.

في مارس 1508، شن الأسطولان البحريان المشتركان للمماليك وكوجارات هجوما على الأسطول البرتغالي قبالة ساحل تشاول، في ولاية ماهاراشترا، وبينما تمكنوا من إغراق الرائد البرتغالي، واجهوا خسائر فادحة واضطروا إلى التراجع مرة أخرى إلى ديو، ولكن في هذه المواجهة، قُتل لورينكو دي ألميدا، الابن الوحيد لدوم فرانسيسكو دي ألميدا، نائب الملك البرتغالي.

غضب دوم فرانسيسكو وحزن حزنا شديداً وأقسم على الانتقام، وبحسب ما ورد قال «من أكل الفرخ يجب أن يأكل الديك أو يدفع ثمنه».

ملحمة ثأر

ما بدأ كحرب تجارية، تحوّل إلى ملحمة ثأر، حتى أن دوم فرانسيسكو تحدى أوامر البرتغال بتسليم المسؤولية والعودة قبل أن يكمل مهمته.

شاركت في المعركة 18 سفينة برتغالية مقابل 220 سفينة عربية وسفن مملوكية مصرية وسفن جمهورية البندقية.

وشارك فيها 800 برتغالي مقابل 7600 عرب.. في 9 ديسمبر 1508، أبحر الأسطول البرتغالي إلى ديو، وهاجم أولا ميناء دابهول في كونكان، ثم تحت حكم سلاطين بيجابور، ذبحوا جميع السكان ويقال حتى الكلاب، ثم نهبوا ميناء شاول المهم، ووصلوا إلى ماهيم (في مومباي) التي كان سكانها قد هجروها تماما بحلول ذلك الوقت، خوفًا مما رأوه من البطش البرتغالي.

تلقى دوم فرانسيسكو في ماحيم رسالة تصالحية من مالك عياز، يعتذر فيها عن وفاة ابنه، وتشير سجلات إلى أنه أرسل وفدا لتهدئة نائب الملك البرتغالي، لكن ذلك لم ينفع في كسر جليد العلاقة بين الطرفين، وردا على ذلك كتب نائب الملك «أنا الوالي أقول لك، كرمت ميليكيز (مالك عياز) قائد ديو، أنني سأذهب مع فرساني إلى مدينتك، لآخذ الأشخاص الذين تم الترحيب بهم هناك، والذين قاتلوا شعبي وقتلوا رجلاً في شاول هو ابني، وأتيت لأنتقم منهم وممن يساعدهم، وإذا لم أجدهم فسوف آخذك ومدينتك لتدفع ثمن كل شيء».

في غضون ذلك، في ديو، تم تعزيز الأسطول المملوكي والكوجاراتي بحوالي 70 إلى 150 قاربا حربيا أرسلتها زامورين كاليكوت، ومع ذلك، كانت هناك اختلافات مريرة بين المماليك، وجوجاراتي ومالاباري.

مع وصول الأسطول البرتغالي إلى ديو في 2 فبراير 1509، تراجع مالك عياز إلى الداخل تاركا الأميرال المملوكي الأمير حسين لتولي القيادة.

اتخذ المماليك الذين لم تكن لديهم خبرة كبيرة في المعارك البحرية، موقعا دفاعيا بين القناة المائية الفاصلة بين جزيرة ديو والبر الرئيس، وكان هذا خطأ.

أرمادا البرتغالية

بدأت المعركة في الساعة 11 صباحا، بإطلاق أعيرة نارية من الأسطول البرتغالي، وقصفت المدفعية البرتغالية المتفوقة الأسطول المملوكي.

اصطدمت السفينة البرتغالية ري غراندي برائد الأمير حسين لترجح كفة الميزان لصالح البرتغال.

أبقى حسين مجاديف زامورين الخفيفة داخل القناة للهجوم من الخلف، لكن البرتغاليين توقعوا هذه الخطوة وحاصروا القناة، ونتيجة لذلك لم يتمكن أسطول زامورين من الخروج وصار هدفا سهلا للمدفعية البرتغالية.

بحلول نهاية اليوم، تم تدمير الأسطول المملوكي بأكمله أو الاستيلاء عليه، وفر الأمير حسين إلى الداخل.

الانتصار الكامل

مثلت المعركة انتصارا كاملاً للبرتغاليين، وتم الاستيلاء على 3 سفن كبيرة و3 سفن متوسطة الحجم من أسطول مملوكي وإرسالها إلى لشبونة.

وللانتقام لوفاة ابنه، أمر دوم فرانسيسكو بإعدام جميع الأسرى أو حرقهم أحياء أو تفجيرهم بالمدافع، ثم فرض غرامة كبيرة على تجار ديو الذين ساعدوا المماليك بالمؤن. تمكن الناجون من أسطول زامورين من الفرار إلى كاليكوت، وفر الأمير حسين مع 22 من المماليك من ديو على ظهور الخيل وبعد رحلة طويلة، عادوا إلى القاهرة.

معركة ديو

موقعها

جزيرة ديو في ولاية كوجارات الهندية

تاريخها

3 فبراير 1509

أطرافها

الطرف الأول: تحالف يضم:

1ـ قوات سلطنة كوجارات

2ـ زامورين من كاليكوت

3ـ المصريون (المماليك)

4ـ الدولة العثمانية

5ـ البندقية

الطرف الثاني:

البرتغاليون

آثارها

قلبت موازين القوى في العالم

أنهت سيطرة المسلمين على خطوط التجارة العالمية

أعلنت فجر قوى الأوروبيين

أدت إلى قرون من الهيمنة البحرية والتجارية الأوروبية

هيأت لسيطرة الأوروبيين على التجارة في المحيط الهندي

العتاد والمقاتلون

18 سفينة برتغالية

220 سفن عربية

سفن مملوكية مصرية

سفن البندقية

70 إلى 150 قاريا حربيا من زامورين

800 برتغالي

7600 عربي