تخيل عزيزي القارئ أنك في مدينة مزدحمة بالمحلات التجارية، وبين «البقالة والبقالة بقالة»، وفي إحدى البقالات وجدت أن سعر قارورة الماء مرتفع ولو ريالا واحدا، فمن الطبيعي أنك ستترك هذه البقالة وستذهب لغيرها فقط «عشان ريال»، وهذا لأنك لست مجبرا على الشراء والمعروض أمامك وافر، ولكن لو كنت في صحراء قاحلة والشمس حارقة والرمال «كاثبة»، ووجدت نفس البقالة ولكنه في هذه المرة رفع السعر بزيادة 1000 ريال، وليس معك سوى هذا المبلغ، وليس أمامك سوى تلك البقالة وإلا ستموت عطشاً، فهل ستشتري الماء أم لا؟.

قد يكون هذا الخيار أشبه بتعاملنا مع من نربيهم منذ مراحل الطفولة المبكرة وحتى مرحلة المراهقة، فقد تكون نصائحنا الكثيرة لهم جعلتهم ينتقون منها ما يطابق أهواءهم، ولا يفضلون أخذ أي منها لو زادت ريالا واحدا، ولكن هل شعر أحد منهم أن اهتمامنا ونصائحنا لهم قد تكون أشبه بتلك البقالة الوحيدة في الصحراء القاحلة، فبالتأكيد أنه سيقبل النصيحة مهما كان ثمنها لأنها شحت عليه فقدر ثمنها.

فقد يحدث أن الأب يحذر ابنه كل يوم من المخدرات، ويقوم هذا الابن بتجربة المخدرات فور أن تتاح له الفرصة ونسي كل ما يعتقد أنها «هذرة زايدة» من والده، والعكس صحيح، فقد تجد طفلا منذ «نعومة أظفاره» ووالده يحضر إلى البيت وعيونه «مفنجلة» من كثرة استخدامه للمخدرات، بل وقد يتعاطى المخدرات أمامه، وقد يخرج هذا الطفل للحياة قادرا على «مناطحتها» أكثر من ذلك الطفل الذي يعيد عليه والده «إسطوانة مشروخة» كل يوم عن المخدرات وآفاتها وكل ما يخصها، ولم يبق سوى أن يضحي الأب بحياته ويجرب تلك المخدرات أمام ابنه حتى تظهر المشاكل على الأب ويتعظ الابن، وقد يتخطى هذا الابن مرحلة المراهقة «وأذن من طين وأذن من عجين».

وقس على ذلك الفتاة المراهقة التي تصرخ عليها والدتها كل يوم بالابتعاد عن شاشة الجوال ولو لساعة واحدة، وتحضر لها الأكل في السرير وتسحبها «بالونش» لتخرج للشمس دقيقة واحدة، وتلبي لها كل صغيرة وكبيرة في سبيل أن تشعر أن الفيتامينات تدب في جسد ابنتها، وهذه المراهقة مستعدة لتحفظ عن ظهر قلب نصيحة «موديل» برازيلية قالتها لمرة واحدة وفي ثوانٍ معدودة، أما كلام أمها وكأنها قد وضعته على خيار «رسائل غير مرغوب بها» وتحذف تلقائيا في سلة المهملات.

بالمختصر ما أريد قوله إن أبناءنا ومن وقع تحت طائلة تربيتنا، بأنه ليس «أصمخ»، بل يسمع كل كلمة قيلت له، ويثق جيدا أنه في أمان مادام قريبا من أحضاننا، بل وبعضهم قد لا ينام الليل لو ابتعدنا عنه، ويعلم جيدا أن والديه أو من يقومون على تربيته، على استعداد لتلقي لسعات النحل، بل وحتى لسعات «الكوبرا» في سبيل أن يوفروا له ملعقة عسل من أجود أنواع العسل، دون أي عناء وجهد منه، ولكن قد يكون رده علينا بعد أن يقع ضحية الاهتمام المبالغ به (أجبرتني على شرب العسل فشربته سمّاً).