نشر "مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية" دراسة تحت عنوان "الفوضى، الأداة التي ستنهي العالم وتدمِّر الحضارة"، أعدها الأستاذ محمد بن سعيد الفطيسي، الباحث في الشؤون السياسية رئيس تحرير صحيفة السياسي. وقد جاء في مقدمة هذه الدراسة: أن التاريخ السياسي المعاصر يعج بعدد هائل من النظريات والفرضيات السياسية التي شكلت وجهه السياسي على صورته الراهنة. فالتاريخ السياسي في مجمله ما هو آلا وليد تلك النظريات والحركات السياسية التي شكلت الصور التي شاهدناها سابقا للتاريخ من أحداث وتغييرات وتحولات في الفكر والتطبيق على صعيد الحركة السياسية الدولية، ونشهد اليوم بروز وتطبيق عدد منها على واقعنا السياسي في جميع أنحاء العالم، وسنشهد غدا ما تبقى من تلك الأفكار والنظريات، بحيث إن التاريخ كما بدا بها سينتهي بها، فالفرق الوحيد الذي نستطيع أن نذكره للفصل بين فترة زمنية سياسية وأخرى هو في نوعية تلك الأفكار ومدى تأثيرها على البشرية أكان ذلك إلى الأحسن أم إلى الأسوأ.
ولمزيد من الإيضاح يقول الفطيسي: لقد شهدت الإنسانية في فتراتها الماضية أثر تطبيق تلك النظريات عليها بحيث إننا نستطيع أن نقول إن اغلب النزاعات العرقية والحركات السياسية والحروب الكونية، والموت الجماعي والانقياد وراء العنف والإرهاب وغيرها من الكوارث التي تسبب بها الجنس البشري ضد نفسه، لم تكن سوى الصورة العملية للوجه الآخر - أي - الوجه العملي والتطبيقي لتلك النظريات والفرضيات السياسية، مع عدم تجاهل عدد لا بأس به من تلك النظريات التي كان لها الفضل الكبير نحو تحسين الحياة وتشكيل الصورة الحسنة في فترات معينة من التاريخ السياسي للإنسانية، وعلى مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية..إلخ.
وأضاف الفطيسي: ها نحن اليوم نشهد تقييم الحركة التاريخية السياسية للقرن العشرين وما خلفه لنا من أفكار ونظريات سياسية شكلت صورته التاريخية ومدى تأثير تلك الأفكار والنظريات على القرن الحادي والعشرين، بحيث إننا نستطيع أن نقول بأنه لم يشهد العالم من قبل ذلك الكم الهائل من الأفكار والنظريات السياسية التي شكلت مجمل الحركة السياسية للتاريخ السياسي المعاصر على صعيد السياسة الدولية في قرن واحد. ونستطيع هنا أن نجزئ تلك الأفكار والنظريات السياسية التي يتشكل منها التاريخ السياسي في مجمل صوره بداية من الماضي ومروراً بالحاضر وانتهاء بالمستقبل وبجميع أشكالها الحسنة والسيئة.
ويلخِّص الفطيسي دراسته بقوله: تناولنا من خلال هذه الدراسة ظاهرة سياسية فريدة من نوعها وخطيرة على العالم المتحضر، تتجه إلى الانتشار بشكل سرطاني وكارثي, ألا وهي ظاهرة الفوضى السياسية التي تعم العالم هذه الأيام كوحش كاسر ينهش كل ما يجده في دربه, وبطريقة مخيفة للغاية تبشر بنهاية كارثية على الجنس البشري إن هي استمرت على هذا النحو، فقد أصبحت الفوضوية نوعا جديدا من المتناقضات الدولية التي يطالعنا بها التاريخ السياسي المعاصر، ويرسم ملامح صياغتها على وجه صفحاته السوداء في كل أرجاء المعمورة. فما نشهده اليوم من تداعيات سياسية، وأشكال الخراب والقتل والتفجيرات الإرهابية التي تستهدف الآمنين في كل مكان، نتاج طبيعي لعالم تتحكم به السياسة الصلبة والفوضوية السياسية، والاتجاه نحو تعميق فجوة الخلافات والنزاعات العالمية.
ويتساءل الفطيسي: هل باتت هذه الظاهرة نوعا من الوباء الذي يخيم على الأرض كعدد من الأمراض الفتاكة التي ما زال الجنس البشري يعاني منها، وعجز عن التوصل لعلاج جذري لها كمرضي الإيدز والأيبولا وغيرهما ؟ أم أن العالم سينتبه من هذه الغفلة قبل فوات الأوان، ويحاول اتقاء فتنة نائمة ستكون "لعنة" القرن الحادي والعشرين إن هم استمروا في إيقاظها؟ أم هل بات على البشرية أن تتحمل أخطاء الصراعات الدولية, والحروب المبنية على الأطماع والرغبة في السيادة والسيطرة، لتكون وحدها من يدفع ضريبة الحروب والقتل وسفك الدماء؟ أم أن هناك أملا يلوح من بعيد لإنقاذ ملايين الأبرياء من وصمة العار التي ارتسمت على وجه الدول الكبرى التي ما فتئت وهي تنادي بالحرية والمساواة وحق البقاء والعيش بسلام للجميع.
ويختتم الفطيسي دراسته قائلاً: من هذا المنطلق - فإننا - نرى أن العالم يسير إلى مصير مجهول ومخيف إن هو استمر على نهجه الحالي في التعامل مع قضاياه الراهنة كقضية مكافحة الإرهاب والتعامل مع الدول الفقيرة والضعيفة، وستسيطر عليه الفوضى السياسية في كل مكان ولسنوات طويلة مقبلة. ولن يتمكن العالم من الحصول على وقت للراحة والأمان والسلام فيه ، حيث إن المقبل سيكون أشد مما مضى. ولهذا فإنه بات من المحتم وبأسرع وقت ممكن أن يتفق العالم على تعاون دولي وفي إطار الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعنية بالسلام، لإيجاد إستراتيجية جديدة تكون الجدار الواقي والدرع الصلب أمام هذا الوحش الذي يسيطر على العالم بأسره ونقصد الفوضوية السياسية، وإلا فإن مصير العالم قد بات على صفيح ساخن وبركان على وشك الانفجار وتهديد الجنس البشري بالانقراض والفناء.