بعد نشر صحيفة الوطن لمقالي المعنون بـ(الدين بالدليل لا بالأهواء) اعترض أحد المرتمين في أحضان نظامي قطر وتركيا ضد وطننا المملكة العربية السعودية، اعترض في تغريدة له على ما تضمنه المقال من بيان مساوئ نظام قطر ضد بلادنا، وكون بلادنا لا تعتدي إلا على من اعتدى عليها، عملاً بالآية الكريمة (من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، اعترض على ذلك.

ورغبةً في بيان الحق، وخشية أن ينخدع بشبهاته أحد، وإقامة للحجة، فإني أقول وبالله التوفيق:

1- المعترض أجنبي عن العلم الشرعي، وغير متخصص فيه، ونشاطه فيما علمت إنما هو بالشعر كما في ديوانه (آه يازوج المسيار)، وبالتحريض على بلادنا ظلماً وعدوانا، لكن هذا لا يعني عدم الرد عليه، ذلك أن الرد على أهل الأهواء سنة ماضية.

2- قال المعترض في رده عليّ (لو سلمنا بصحة زعمه وأن قطر معتدية علينا).

وأقول: نظام قطر لم يعتد عليك، فلا معنى لقولك (علينا)، فأنت منحاز إليه، وهو الداعم لك، ولأمثالك ممن اتبعوا خطوات الشيطان، ومضلات الفتن، وإنما كان اعتداؤه ومكره السيئ ضد بلادنا المملكة العربية السعودية، وضد أبنائها الذين يفْدونها ويفْدون قيادتها بكل ما يملكون.

وإن كنتَ أيها المعترض ترى أن نظام قطر لم يسئ إلى بلادنا، وأن ذلك مجرد زعم مني، وليس حقيقة، وتجاهلت كل إساءات نظام قطر وتسجيلاته المخزية، وقناته الشريرة الجزيرة ضد بلادنا، فأنت إلى معالجة عقلك أحوج منك إلى المخاطبة بالحجة لأنك لا تعقلها.

3- قال المعترض (أليس الصهاينة يحتلون أرضاً إسلامية) وأقول: ألا تعلم أن أسيادك في نظام قطر وتركيا مع الصهاينة القذة حذو القدة منذ أمد بعيد ولا يزالون، فلماذا لم تنبس ببنت شفة تجاههم، وتنكر عليهم تعاونهم مع الصهاينة الذين يحتلون أرضا إسلامية؟! أليس هذا من التناقض الذي يدل على زيفكم، وسوء منهجكم؟!

أما وقوف المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً مع القضية الفلسطينية فهو راسخ وتاريخي، ولا يُلتفت إلى تُرَّهاتك ولا إلى مزايدات تجار القضية، الذين هم مع الصهاينة ونظام طهران.

ثم إذا كانت البلاد الإسلامية تهمك، لماذا لم تتحدث عن تآمر نظام قطر مع القذافي لتقسيم المملكة العربية السعودية؟ أليست بلادنا السعودية أرضاً إسلامية؟!

إن هناك أفراداً وميليشيات وجهات معادية لبلادنا وقيادتنا ومجتمعنا، يدندنون حول خطر الصهاينة، والواقع أن أذيتهم ليست للصهاينة بل لقيادتنا ووطننا، فنسأل الله أن يكف بأسهم، (واللَّه أشد بأسا وأشد تنكيلا).

4- قال المعترض: («فمن اعتدى عليكم» الخطاب لعموم المسلمين وليس خاصاً بالسعوديين).

وأقول: السعوديون أيها المعترض مسلمون بحمد الله، ومن اعتدى عليهم فلهم أن يعتدوا عليه بنص الآية، وأما من اعتدى على غيرهم، فالواجب إنما هو على المعتدَى عليهم وولاتهم وشعوبهم أن يدافعوا عن أنفسهم، والمملكة ساعدت فلسطين بما لا نظير له في العصر الحاضر.

ومقتضى قول المعترض إن بلادنا مسؤولة عن كل مسلم من أي دولة، في أي أرض وتحت كل سماء، وكأنه لا اعتبار لقادتهم وشعوبهم ودولهم، ولا اعتبار للاتفاقات والمواثيق، وهذا كلام مجرد تصوره كاف في إبطاله.

ألا يعلم المعترض أن أبابصير وأباجندل ومن معهم من المسلمين كانوا خارج المدينة في حرب مع المشركين، ولم يقم أحدٌ من الصحابة في المدينة بنصرهم، لوجود مواثيق بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمشركين، مع أن بلاد المسلمين آنذاك واحدة، لم تكن متعددة الأقاليم والحكام، هل يقول هذا المعترض: إن الخطاب في (فمن اعتدى عليكم) للعموم، ولا عبرة عنده لأي مواثيق واتفاقات؟ وبالتالي يؤثِّم الصحابة لعدم نصرتهم لأبي بصير وأبي جندل ومن معهم، وهل يستطيع المعترض مطالبة الدول الإسلامية برد أذية نظام قطر، ومكره السيئ ضد بلدان المسلمين؟

إن الله تعالى وفق ولاة أمرنا للحكمة، فهم ينصحون الخاطئ لاسيما الجار ليرعوي، ويصبرون عليه طويلاً، فإذا تمادى في غيه كما هو نظام قطر، واتخذك أيها المعترض وأمثالك أدواتٍ لتحقيق إجرامه، ودعمكم بالمال والخطط الماكرة، فإن آخر الطب الكي، هذه عادة ولاة أمرنا منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ولا يزال إلى عهد الملك سلمان حفظه الله، وفي هذا يقول الملك عبدالعزيز (إني جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أبداً بالعدوان، بل أصبر عليه حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي وكانت القاضية).

5- يرى المعترض إلغاء الحدود بين الدول، وعدم الاعتداد بها، وهذا يدل على جهلٍ في الشريعة، كما يدل على غباءٍ في السياسة.

ومعلوم أن لكل دولة مسلمة اليوم ولي أمر خاص بها، وله السمع والطاعة على أهل قطره، ولا تنفذ ولايته على أي دولة أخرى، وبالتالي ليس مسؤولاً عن مسلمي دولٍ أخرى خارج ولايته، وإذا كان المعترض يلغي هذه الحدود بين الدول، فمن هو في نظره الإمام لجميع الدول الإسلامية اليوم؟

لو كان المعترض من أهل العلم، لعلم أن المسلمين منذ زمن الإمام أحمد إلى اليوم لم يجتمعوا على إمام واحد في كل أقطار الأرض، ولم يقل أحدٌ من العلماء بعدم الاعتداد بحدود ولاية كل إقليم لإمام معين، وإنما اعتدُّوا بولاية كل قطر لإمام معين، وأن له البيعة والسمع والطاعة على أهل قطره، وهو مسؤول عنهم لا عن غيرهم.

قال الشوكاني: (بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان وفي القطر الآخر أو الأقطار كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته، فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر...فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يحمس مقاله في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار، ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها). ونقل نحوه الإمام محمد بن عبدالوهاب والصنعاني.

وقال شيخنا ابن عثيمين (ومنذ زمن بعيد، من زمن الأئمة، والناس متفرقون، كل جهة لها إمام، وكل إمام مسموع له ومطاع بإجماع المسلمين)، والمعترض يخالف إجماع المسلمين، ويتبع فكر جماعة داعش في ذلك، فهي تلغي حدود الأوطان وولاتها، وإذا تكلم الإنسان في غير فنه أتى بالعجائب.