وفق الله الإمام محمد بن عبدالوهاب للدعوة إلى التوحيد الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجحت دعوته الإصلاحية وكان من أقوى أسباب نجاحها أن هيأ الله لها حكاماً نصروها وأيدوا دعاتها وهم الحكام من آل سعود بدءاً من الإمام المجاهد المصلح محمد بن سعود ثم أبنائه وأحفاده من بعده، وقد سُرَّ بهذه الدعوة الإصلاحية أهل التوحيد والسنة، وأنكرها أهل الشرك والبدعة، وكان الخصوم في حياة الإمام محمد بن عبدالوهاب يفترون عليه الكذب، وكان يجيبهم بقوله: (سبحانك هذا بهتان عظيم).

وفي زماننا هذا رأى بعض مؤيدي الثورات، أن العقيدة الإسلامية التي دعا إليها الإمام محمد بن عبدالوهاب تُرسخ السكينة والسمع والطاعة لولاة الأمر، وتُحذّر من الخروج على الحكام، وتقف سداً منيعا أمام مطامعهم السياسية والثورية، فوصفوها بأنها «عبء سياسي واجتماعي وثقافي»، هكذا يُلقون التهم جُزافا، ولو قلتَ لهم: وماهو العبء السياسي الذي تلمزون به دعوة التوحيد التي جدد الدعوة إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لوجدت أن غاية ما لديهم مجرد وساوس غامضة، وتعليلات عليلة بل ميتة، وانفعالات متوترة، وجهل بحقيقة الدعوة، ورغبةٍ في المخالفة والشهرة، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

وقد كتب الإمام الملك عبدالعزيز رحمه الله رسالة في هذا الشأن هذا نصها: «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، إلى من يراه من علماء المسلمين وإخوانهم المنتسبين، وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد ذلك: هذا كتاب إخوانكم المشايخ، تشرفون عليه، والعمل -إن شاء الله- على ما فيه، ثم بعد ذلك مهوب خافيكم أول منشأ هذا الأمر وتقويمه، أنه من الله ثم أسباب الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، وأوائلنا رحمهم الله، وما جرى على المسلمين من اختلاف ولايتهم مراراً. وكلما اختلف الأمر، وشارف الناس لنقض دين الله، وإطفاء نوره، أبى الله وأخرج من هالحمولتين من يقوم بذلك، حتى إن آخرهم والدنا، وشيخنا الشيخ: عبدالله بن عبداللطيف، نرجو الله أن يجبرنا في مصيبتنا فيه، بعز الإسلام والمسلمين، وأن الله سبحانه يظهر في عقبهم من يقوم مقامهم، وأن الله سبحانه يعيضه بنا رضوانه والجنة.. ثم بعد ذلك تفهمون: أن أسباب الشر كثيرة، ولا بد أن يحصل من الناس بعض شوفات: أحد يدوّر المخالفة، وأحد يدوّر الترؤس، وأحد جاهل يريد الحق، ولكن خفي عليه سبيل الحق، فاتبع هواه، وهذا أمر كله مخالف للشرع. والحمدلله: ما حنا في شك من أمر ديننا. وتفهمون أنه من حين أظهر الله الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في قرن أطيب من وقتنا، ورجال أطيب من رجالنا، وعلماء أطيب من علمائنا، فسدد الله به، وقام بهذه الكلمة، وجدد الله أمر هذا الأصل، وأنقذ الله بأسبابه الناس من الظلمات إلى النور. فبان أمره لأولي الأبصار، وخفي ذلك على كثير من الناس، وعاند من أزاغ الله قلبه، وأعمى بصيرته. وقبل هذا الحق ورضيه آباؤنا، وأجدادنا، وعلماء المسلمين، فيما أتى به من الأصل والفرع، ويتعين علينا -إن شاء الله- أن نقتدي بما اقتدوا به. ولهوب خافيكم: اختلاف العلماء في أمور الفروع؛ فلابد أن كل إنسان يدّعي المعرفة على جهل: إما أحد يسمع حديثاً، أو قولاً من أقوال العلماء، لا يعرف حقيقته، فيفتي به، أو يكون أحد له مقصد، يدوّر الأقوال المخالفة؛ مقصوده الخلاف، إما مخالفة أحدٍ من علماء المسلمين، أو يبـي يقال: هذا فلان! يدوّر بذلك رياسة، أو شيئاً من أمور الدنيا، نعوذ بالله من ذلك. فالآن يكون الأمر على ما ذكر المشايخ أعلاه، فمن أفتى أو تكلم بكلام مخالف لما عليه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأولاده عبدالله، وعبدالرحمن، وعبداللطيف، وعبدالله بن عبداللطيف، فهو متعرض للخطر؛ لأننا نعرف أنه ما يخالفهم إلا إنسان مراوزٍ للشر والفتنة بين المسلمين.. إلا إن كان هنا إنسان عنده في مخالفتهم دليل من الكتاب، أو من السنة، فلا يتكلم حتى يعرض أمره على علماء المسلمين، وتُعرَف حقيقته.. وتفهمون أني إن شاء الله: خادم للشرع، بنفسي وبما تحت يدي، فافطنوا لموقف بيوفقني الله أنا وأنتم، والعالمين؛ وهذا أمر برئت منه ذمتي وتعلق بذمتكم، نرجو الله أن يعيننا وإياكم على القيام بما يرضيه، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن الله سبحانه ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويجعلنا وإياكم من أنصاره» انتهى.

‏وأقول:

‏فاللهم اغفر للملك عبدالعزيز، وارفع درجته في المهديين، واخلُفْه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يارب العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، وأيّد اللهم بالحق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وأسبغ عليهما نعمك ظاهرة وباطنة، واحفظهما بحفظك يا رب العالمين.