دخل رجل بدوي عليه شعث السفر على داود المهلبي - وكان إذا حضر الطعام يتقدم بصرف البوابين ولا يمنع من الوصول إلى طعامه - فلما فرغ من الطعام وثب قائما وأومى إليه، وقال: من أنت يا فتى؟ قال: شاعر قصدتك بأبيات من الشعر قال داود: مهلا قليلا ثم دعا بقوس فأوترها وأومى إليه وقال له: قل فإن أنت أحسنت خلعت وأجزلت وإن أخطأت رميتك بهذا السهم يقع في أي موضع يقع فيه؛ فتبسم البدوي، وقال:

أمنت بداود وجود يمينه *** من الحدث المرهوب والبؤس والفقر

وأصبحت لا أخشى بداود نبوة *** ولا حدثانا إن شددت به أزري

له حكم لقمان وصورة يوسف *** وملك سليمان وصدق أبي ذر

فتى تهرب الأموال من جود كفه *** كما يهرب الشيطان من ليلة القدر

فقوسك قوس الجود، والوتر الندى *** وسهمك سهم العز، فاقتل به فقري

فضحك داود ورمى بسهمه مع القوس من يده، وقال: يا فتى العرب؛ بالله هل كان ذكر القوس في الأبيات؟ فقال: لا والله! ففرح بذلك، وقال: يا فتى العرب؛ بالله أيما أحب إليك: أعطيك على قدرك أم على قدري؟ قال: بل على قدري! قال: كم على قدرك؟ قال: 100 ألف درهم، فأمر له بها.ثم قال: ما منعك أن تقول على قدري؟ فقال: أيها الأمير؛ أردت أن أقول ذلك، فإذا الأرض لم تساو قدر الأمير، فطلبت على قدري! فقال: لله درك! والله إن نثرك لأحسن من نظمك! وأمر له بمائة ألف ثانية، وأمره ألا ينقطع عنه.