قوانين الحركة لنيوتن في الفيزياء يُمكن الاستفادة منها في الحياة العامة لفهم طبيعة المجتمع وإحداث التغيير فيه، والقانون الثالث للحركة حول القُوَى المُتزنة وغير المتزنة هو أصدق وصف ينطبق على المعلم في مجال عمله، فعندما يُؤثر جسم ما بقوة في جسم آخر فإن الجسم الآخر يُؤثر في الجسم الأول بقوة مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه، وحينها قد تُؤثر مجموعة من القُوى في جسم ما دون أن تُحدث تغيرا في حركته.

فالمعلم في أداء مهامه التربوية والتعليمية بين ثلاثة تصورات، فإما أن تكون هناك قوتان متساويتان تضغطان عليه في اتجاهين متعاكسين، وهنا سوف تكون المحصلة صفرية في النتائج، أو أن تكون القوتان غير متساويتين في الاتجاهين المتعاكسين وحينها سوف تكون المحصلة تساوي الفرق بينهما، وتكون في اتجاه القوة الكبرى، أو أن تكون القوتان في اتجاه واحد، فإن القوة المحصلة تساوي مجموعهما، والقوتان المعنيتان في الإشارة هما وزارة التعليم بما تُمثله من أنظمة ومناهج، والميدان التعليمي بما يُمثله من واقع مع الطلبة في الفصول.

فوزارة التعليم تُحمل المعلم المسؤولية الكبرى في نتائج المخرجات التعليمية وتعتبره محورا في تفعيل المناهج، والميدان التربوي والإشراف عليه يضغط على المعلم في مُعالجة الواقع التعليمي وسد كل الثغرات فيه، وهو بين ضغط القوتين المتعاكستين يقف عاجزا عن الحركة في أكثر الأحيان، أو في حركة بطيئة بما يتناسب مع القوة الأكبر، ويأمل مِن كل عملية تطوير أن تسير القوتان «أنظمة وزارة التعليم وواقع الإشراف التربوي» في اتجاه واحد حتى يتفرغ إلى أداء رسالته ومهامه بأقل الضغوط في أجواء تُعطيه المجال نحو الإبداع والتألق.

ومع كل عام يطل علينا في الخامس من أكتوبر التوجيه بالاحتفاء بيوم المعلم والإشادة به، وبما يُقدمه المعلمون أنفسهم لطلابهم ومجتمعهم، ولك أن تتصور كيف أن المُحتفى به يُشيد بدوره أمام المستفيدين منه ويوجههم لتقدير مكانته، فالمعلم أو المعلمة لا يجدون منه إلا الشعارات والشكليات والمرور العابر له، دون أي واقع ملموس لتقدير دوره وتلمس احتياجاته وتأكيد مكانته، وتحمل ضغوط القوى المتعاكسة سواء أكانت من وزارة التعليم أو من المجتمع أو من أفراده، والمستغرب من وزارة التعليم أنها تحث المعلمين والمعلمات على الاحتفاء بالمعلم وتنسى نفسها بتقديم المبادرات والدعم للمعلم أولا قبل أي جهة، فالمعلم والمعلمة ينتظران من الوزارة تقديم الخدمات الأساسية لهما في كافة المجالات الصحية والسكنية والترفيهية والخدمية والمكانة العالية في المجتمع، وأنهم في كل عام في ذكرى اليوم العالمي للمعلم يتطلعون إلى ما سوف تُكرمهم وتُفاجئهم به الوزارة بما لا يتوقعون.

فالافتراض السائد بأن المعلمين لا ينتظرون الجزاء والعطاء ورفعة المكانة من وراء عملهم غير صحيح، بل هم يُطالبون وزارة التعليم بتخصيص الامتيازات وتحويلها إلى واقع ملموس؛ من أجل رد الجميل وتقديرهم وهذه الامتيازات ما هي إلا طاقة وقادة ومحفزا كبيرا في عطائهم، فرد الفعل لن يكون تسارعه إلا بالفعل الذي يجعله ينطلق في أدائه نحو التميز والإبداع، فالمعلم أكثر من أي وقت مضى ينتظر من الوزارة في كل عام أن تتلمس احتياجاته وترسمها على أرض الواقع، وأن تكون البنية التحتية لاحتياجات المعلمين الشخصية في كافة المجالات في أولوية الاهتمام والعناية، وحينها سوف يكون الاحتفاء بيوم المعلم احتفاء بما تم تقديمه وإنجازه على مستوى الفعل ورد الفعل إذا أدركنا أن المعلم مصدر قوة الوطن وضعفه.