في "قانون باركنسون للتفاهة" المعروف والذي استُمَد من مقالة للكاتب نفسه نشرت عام 1955 ضرب باركنسون المثل ساخراً بسيدة عجوز تقوم بكتابة رسالة لابنة أخيها لتقضي يوماً كاملاً في كتابة الخطاب لأن ليس لديها ما يشغل وقتها طوال اليوم، بالطبع لم يكن يقصد هنا السخرية من المسنات أبداً، ولكن كان يوجه النقد لانعدام الكفاءة وتضييع الوقت وكتب بعدها عدة مقالات وألقى محاضرات ثرية في إهدار الوقت والطاقة.

كثير من الأفعال التافهة صارت من ضمن البرستيج، احتفالات لمناسبات تافهة، صرف مبالغ خيالية في فستان أو حقيبة أو حذاء، في حين لو وزنت عقل صاحبه أو صاحبته وجدته لا يساوي شيئاً فلا يكن لبسك أغلى ما فيك.

المال ليس كل شيء والقليل من التواضع لن يفسد برستيجك.


كم كنت أتمنى تدريس قانون باركنسون للشباب والفتيات حينما أرى تلك الطاقات المهدرة والوقت الثمين يذهب في أقل ما يقال عليه تافه.

فرق كبير بين المتعة والتفاهة، المتعة أن تعمل ما تحبه منتشياً به دون أن تكون المتعة قيمة أو هدفا لذاتها، أما التفاهة أن تنحدر بك إلى الفراغ الداخلي العقلي الفكري مع سوء إدارة الوقت مع وفرة المال "ثلاثي الإفساد الأخلاقي".

قال أبو العتاهية قبل مئة عام:

إن الفراغ والشباب والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة

فتيات وشباب في عمر الزهور يمضون الساعات يمارسون تفاهة "اللا شيء"، كأننا خلقنا بلاهدف وإذا تحدثت وانتقدت كانت الإجابة "أن الحياة مرة واحدة دعونا نستمتع".

فعلاً صحيح الحياة مرة واحدة وبعدها ستموت، تموت وأنت بداخلك طاقات عظيمة لم تستغلها في الإبداع والأفكار والكثير من أعمال الخير التي فاتت عليك وأنت تمارس ما سمى بالحياة، ماذا ستفعل بها في قبرك؟.

كانت فكرة تود هنري حينما ألف كتابه "مت فارغاً" أنه سأل مدير أمريكي زملاؤه في اجتماع: هل تعلمون ما هي أثمن أرض في العالم؟.

فكان الجواب "إنها أرض الخليج الغنية بالنفط"، وآخر قال "إنها بلاد الألماس في إفريقيا"، فقال: إجابتكم خاطئة "إنها المقبرة".

يا لها من ثرية هذه المقبرة.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل".

أنت لا تعلم ولا تضمن ما الذي سيصادفك في طريق التفاهة، فاقطع الطريق على نفسك قبل الاصدام بالمجهول.

سؤال أخير لا أريد عليه إجابة: هل وجدت السعادة فيما تمارسه من تفاهة؟!.