أتفهم ما يتفوه به بعض الكفار من كراهية لدين الإسلام، ووصفه بـ»الإسلام المتطرف» و»الإسلام الراديكالي»، مع أنهم يعرفون أن الإسلام بريء من هذه الأوصاف التي اخترعوها، أتفهم ذلك، لأن الله أخبرنا عنهم في كتابه أنهم سيبذلون جهدهم في تشويه الإسلام، ليصدوا الناس عنه إن استطاعوا، أو يجعلوهم كفارا مثلهم، قال تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً)، وقال تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، وتشويه دين الإسلام، ووصفه بالتطرف، يعد أحد أنواع القتال الذي يحاربون به الإسلام.

ولا يصح أن يكون المسلم- مهما بلغ به التساهل في التمسك بدينه- لا يصح أن يكون صدى لمقولات أولئك الكفار المفترين، فيكرر ما قالوه من ظلم وافتراء على دين الإسلام .

والحق: أن الإسلام رحمة وهداية وسلام وسماحة وعدل، فهو خير كله، ليس فيه إسلام متطرف أو غير معتدل أو راديكالي أو غير ذلك من أوصافهم المخترعة، وأما (بعض) المنتسبين للإسلام، فنعم، قد يكون في بعضهم غلو وتطرف، لكن غلوهم ينسب لهم، ولا يصح أن ينسب إلى الإسلام، لأن الاسلام يحارب الغلو والتطرف، ولذلك فأهل العلم والإيمان يردون عليهم، وينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

وإذا نظرنا في حال الذين يصفون الإسلام بالتطرف من أصحاب الديانات المخالفة للإسلام، وجدناهم أحق بالغلو والتطرف وهم أهله ومصدره، ولكن لا يرون عوج أنفسهم، والدليل على ذلك من كتاب الله، ومن مقرراتهم الدراسية، فهم قتلة الأنبياء أليس هذا غلوا وإرهابا وتطرفا، قال تعالى عن أهل الكتاب (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق)، وهم المنقصون لله، جل وعلا، قال تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)، وقال تعالى (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله)، وأي غلو وتطرف وإساءة أعظم من وصف الله بالنقائص؟

وإذا كانوا لا يرجون لله وقارا، ولا يقدرون الله حق قدره، فإن تطرفهم وإساءتهم للمسلمين أشد وأنكى، فهم يعدونهم أميين لا قيمة لهم، قال تعالى عنهم (ذٰلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) قال ابن جرير: يقولون (لا حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب ولا إثم، لأنهم على غير الحق، ولأنهم أميون).

وكما أن ذلك ما أخبر الله عنهم في كتابه الكريم، فهذا هو ما تضمنته مقرراتهم الدراسية، ولكنهم قوم بهت، وكنت نقلت في كتابي (الدعاوى المتعلقة بمقررات العقيدة في التعليم العام - عرض وتقويم) ما تضمنته كتبهم الدراسية من احتقار للإسلام والمسلمين .

إن بعض الجهات المعادية للإسلام تصنع من بعض المسلمين الحزبيين حركات وجماعات غالية وأحزابا ضالة (كحزب الإخوان والتبليغ وداعش ونحوها)، ثم تتخذ من تصرفاتهم وغلوهم سلماً للقدح في الإسلام، والواقع أنهم هم الداعمون لهم ولحركاتهم، فهم الذين يحتضنون الغلاة ويشجعونهم، ويوفرون لهم المأوى، ليثيروا الفتن في بلاد المسلمين، وبذلك جمعوا سيئتين: تكوين تلك الجماعات الغالية ودعمها، والافتراء على الإسلام، فهم يكسبون إثما ثم يرمون به بريئا، قال تعالى (ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً) ومعلوم أن الجماعات والحركات والتيارات المنتسبة إلى الإسلام (كالإخوان والتبليغ وداعش وغيرها) ليست هي الاسلام، وهم يعلمون ذلك، ولو كانت غير موجودة لأنشؤها لتكون أداة لهم في الكيد للإسلام وأهله، وصدق الله العظيم: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

ولأن الإسلام يأمرنا بالعدل كما في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

فإني أقول إن الله تعالى أخبرنا أن أهل الكتاب ليسوا سواء، فمنهم من آمن بالله والرسول واعتنق دين الإسلام، وشهد بالحق، كما قال تعالى (ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون)، ومنهم طائفة أمناء، بحيث لو أمنته على قناطير من المال الكثير، فإنه يؤده إليك، ومنهم طائفة خونة، يخونون في أقل القليل، كما قال تعالى: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً).