في البدء أريد أن أسأل سؤالين هل الأطباء السعوديون طماعون؟ وهل الأطباء السعوديون جشعون ويحاولون استغلال المرضى؟

سأجيب عن هذه الأسئلة لاحقا، لكن قبل ذلك أريد أن أتحدث عن قصص مهمة، للعلم هناك أطباء سعوديون وصلوا العالمية، ويعملون في أرقى مستشفيات العالم، فهناك جراح القلب هاني نجم رئيس جراحة قلب الأطفال في كليفلند كلينك، أرقى مستشفى للقلب في أمريكا، وهناك البروفيسور محمد العمران في جامعة تورنتو العريقة، وهناك رئيس قسم أعصاب الأطفال في كليفلند محمد الدوسري، وغيرهم الكثيرون من الأطباء السعوديين المميزين في أمريكا وأوروبا، وببساطة وبشكل مباشر لم تكن أرقى مستشفيات العالم لتستقطبهم وتعينهم لولا تميزهم. إذن الدكتور السعودي عملة مميزة ومطلوبة. لا أريد أن أتحدث عن أحد بعينه، لكن دعونا نتكلم عما قد يكون من أسباب عدم جذب البيئة الصحية السعودية لبعض هؤلاء المميزين. عادة المبدع يكون مختلفا، لذلك من الصعب أن تتعامل مع الأطباء النخبة بطريقة بيروقراطية جافة، وتطلب منهم الإبداع، قد يكون لديك طبيب عبقري وتضع عليه مديراً جاهلا أتى بواسطة ومعارف، وليست لديه أي مقومات للإدارة الناجحة، هذا المدير - مثل وجه ابن فهرة- لا يعرف الحياء ويهتم بحجم لوحة موقف سيارته أكثر من اهتمامه بحضور الدكتور المميز للاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للمرض الفلاني، وإذا طلب منه أي تعديلات لوضع المستشفى، تجده يهتم بتجديد أثاث المكتب أكثر من تغيير غرفة العمليات، أو تجده ماسكا الحضور والانصراف كأن الطبيب في مدرسة ابتدائية، منطقيا الطبيب سيرحل!.

وهناك نوع آخر من المديرين، تجده معششاً في الإدارة منذ آلالاف السنين كأنه ديناصور أو أحفورة، فقط يلزمك نقله من المستشفى للمتحف، طبعا خبرته في الإدارة خلال عقود من الزمن هي مجرد خبرة 3 أشهر، لكن مكررة عشرات المرات، ولا شيء جديدا يستحق الذكر، يعيد ويكرر الجمل نفسها عن الخبرة. أما ثالث نوع من المديرين تجده غيورا وفيه «شوية حسد» وغير واثق بإمكاناته، يجلب حوله شلته والعاديين، ومن لا يخاف من تميزه، وأمله يلتصق بالكرسي قدر الإمكان، كانه لصقة أسد أصلي من النوع القديم (كأنه غراء). ورداً على هذه النوعيات من المديرين المعطوبين الذين يكتمون الإبداع، أستطيع القول بكل أريحية إنني وجدت أن النجاح معد والفشل معدٍ!


المدير الذي يحيط نفسه بالناجحين سينجح ويصبح نجما، والعكس صحيح، من يحيط نفسه بالفاشلين حتى لو كانوا مطيعين بالحرف ومطبلين فإنه سيفشل. للتبسيط مثل مدرب كرة القدم، المدرب الكبير يختار أفضل اللاعبين والأكثر إبداعا، لكي يحقق فريقه البطولات.

هناك بعض المديرين يكبحون الإبداع، ويعتقدون أنهم أذكياء، يحاولون استغباء الآخرين بأنهم يشجعون الجيل الجديد!.

قبل سنوات مر عليّ أحد المديرين في إحدى الدول الخليجية، فقال لي: نحن عهدنا ملف التغيير لهذا الطبيب الشاب. فرحت وقلت، جميل أن تعطي المسؤوليات للدماء الجديدة، خصوصا أن موضوع التغيير حساس ومهم، ومن أصعب مواضيع علم الإدارة، لأنه يحتاج توازنا ومهارات. جلسنا مع المدير الشاب وجلس معنا أحد المستشارين، ومن قمة الأدب أن تترك الشخص يتحدث في موضوع، حتى لو كنت تعرفه أكثر منه، كان الرجل لا يعرف عما يتحدث، فبدأنا والمستشار نتكلم عن التغيير باستخدام مصطلحات علم الإدارة، ولم يستطع المدير الشاب فهم حديثنا أو مجاراتنا واللحاق بنا كأننا نتكلم لغة هنغارية، اختصرنا الاجتماع لأننا في واد والأخ الكريم في واد، وبعدها سألت بعض العارفين، فقالوا لي إن هذا المدير الشاب هو الشخص المحبب للمدير الكبير العتيق، ويفضله لأنه يتحكم فيه مثل الريموت كونترول، يعني بالفصيح «ما فيه فايدة مجرد مظهر وسد مكان» ! وكل ما جاء زائر جديد ردد عليه المدير المعتق الكليشة المعروفة، إننا نشجع الشباب والدماء الجديدة، هذا قتل للإبداع والمواهب، إن وجدت مواهب لديهم في ظل هذا المعتق!

بما أننا نتكلم عن الإبداع والمواهب، لنتكلم بوضوح عن واحد من أهم عوامل قتل الإبداع في المجال الصحي، وهو (الكادر الصحي) سيئ الذكر، لقد قتل الإبداع الصحي لسنوات، لا أعرف طبيبا سعوديا قابلته أو سمعت عنه طوال سنوات، إلا ويشكو من الكادر، ربما لا يجمع الأطباء السعوديون على شيء، مثل إجماعهم على الشكوى من الكادر. صراحة لا أعلم بما أن هناك شكوى جماعية من الكادر، لم لا يتم تغييره خصوصا نحن في عهد التجديد والتحسين والتغيير في الدولة. الكادر سابقا ربما كان اجتهادا من أحدهم ولم يوفق فيه، فتستغرب وجوده إلى الآن، فالقوانين ليست منزلة خصوصا أن الحكومة حاليا تسعى لتحسين كل قوانين الدولة، وجعلها أفضل وأكثر مرونة لخدمة المواطن أيا كان تخصصه.

بما أننا ذكرنا الكادر، ليس فقط هو موضوع الطبيب المميز، فالتقدير المادي جزء، بل ربما الأهم التقديرالمعنوي والاحترام والبيئة الجذابة، وليس كل ما ينقل صحيحا، أن البعض غادر وسافر واستقر بسبب أمور أسرية أو عائلية، كما يحاول أن يدعي بعض الذين يريدون تغطية الأسباب الجوهرية.

إجابة عن سؤال العنوان، من سيكون بطل الصحة؟ أعتقد أن من سيقوم بمحاولة خلق بيئة جذابة وإعادة الأطباء المميزين من الخارج خصوصا من أوروبا وأمريكا ويقوم بتعديل نظام الكادر الصحي، هو بطل الصحة المنتظر! وهو من سيغير مستقبل الصحة في المملكة تغييرا جذريا، أيا كان فإنه سيصبح بطلا في تاريخ الصحة، لأنه سيخلق نقلة نوعية في النظام الصحي.

من باب المصداقية عندما نطالب بتغيير الكادر، فليس لنا أي فائدة شخصية مباشرة، وكما يعلم الجميع، لا أعمل في المملكة لكن أستطيع النظر للأمور من الخارج بزاوية أوسع، دون أن أكون وسط المعمعة، ويمكن بوضوح رؤية ما يفعله الكادر من تثبيط للإبداع والتميز. ولنكن أكثر صراحة، لست حتى على وئام مع بعض مسؤولي الصحة خصوصا ممن لا يحبون النقد، وخصوصا أنه نُقل لي في الفترة الماضية بعض الأحاديث غير المقبولة من بعض المصادر، لكن بالنسبة لنا من غير المقبول أيضا لأي شخص محترف أو موضوعي، أن يصدق كلاما عن شخص لم يره لمجرد أنه نقل له.

ربما فائدتي الأهم شخصيا من بطل الصحة المنتظر، ومن إعادة البيئة الجذابة للصحة وتغيير الكادر أن أبنائي وعائلتي سيتلقون الرعاية الصحية على يد أطباء سعوديين مميزين، وأي تقدم في المجال الصحي هو تقدم للوطن. أتمنى أن أي مسؤول يقرأ كتاب فاكت فولنس للمؤلف هانس روسلنغ، ليس كتابا في الإدارة، لكن سيغير نظرتك للحياة والصحة.

لنرجع لإجابة السؤالين في بداية المقال، هل الأطباء السعوديون طماعون وجشعون ويستغلون المرضى؟ أقولها بكل تجرد وأنا صار لي خارج السعودية ما يقارب العقدين، وعملت في كثير من الدول حول العالم، وعاشرت أطباء من كثير من الجنسيات،عندما تقارن ستجد أن السعوديين مرغوبون حول العالم، وإن كان الذين في الخارج مميزين، فإن الكثير في الداخل في قمة التميز، كعلم وأخلاق وبطبيعتهم طيبون جدا، وماهرون وملتزمون بالنظام ولا يحبون المشاكل، وليسوا سلعة بائرة حتى يطمعوا أو يستغلوا المرضى، وطبعا الشاذ لا حكم له، وإن ظهرت بعض الأمور غير المستحبة، فهي غالباً بسبب إجبار وجشع بعض التجار من ملاك المستشفيات الخاصة، فبعض هؤلاء التجار الجاهلين يدفعون السوق الصحية الخاصة، إلى هذه الممارسات حتى كأنها أصبحت شبه عرف! وأعتقد أن بعض هذه الممارسات ستقل إذا زاد حسم الجهات الرقابية مع التجار، وأيضا بتغيير الكادر.