على نحو مباغت، ودون مقدمات، أو مناسبة، يركب أحدهم موجة الهاشتاق النشط على مواقع التواصل الاجتماعي، ويطلب المساعدة المالية لسداد أجرة بيت، أو إجراء عمل جراحي، أو سداد دين، أو مساهمة في علاج، أو غيرها من الأساليب، مستدراً عطف الآخرين، ومستغلا الطيبة المتأصلة في المجتمع وحرصه على التعاضد مع الآخر ومساندته، مرفقا طلبه بمستندات تبدو في الظاهر حقيقية.

ومع كثرة هذه الطلبات، وكثرة تكرارها واستغلالها عبر حسابات تبدو في الغالب بتاريخ انضمام جديد، وبعدد إضافات محدود للغاية، ما يقود للتساؤل عما إن كانت قد أنشئت فعلاً لهذه الغاية دون غيرها، ناهيك عن التساؤل الأهم عمّا، إن كانت فعلا تعبر عن حالات إنسانية حقيقية تحركها الحاجة الماسة والضرورة القصوى، أم أنها مجرد نوع جديد من الاحتيال للحصول على مال الغير، باستغلال التقنية ووسائل التواصل التي تختصر المسافات وتقرب البعيد.

الرائجة ملاذ النصب

تحتشد كثير من الهاشتاقات الرائجة بعدد كبير من التغريدات التي يقوم أصحابها بطلب التبرع أو المساعدة، ما يجعل فرص تداول تغريداتهم والاطلاع عليها كبير جداً، ومن الملاحظ أيضاً أن كثيراً من أصحاب تلك التغريدات يغردون بها من حسابات بأسماء غير صحرية، وبحسابات أنشئت فقط قبل أيام قليلة من إطلاق الهاشتاق، أو في نفس اليوم الذي تم إطلاق الهاشتاق فيه، وبعضها يرفق تغريدته بأوراق رسمية مكررة في كل هشتاق يعود لعدة شهور أو عدة سنوات.

وإلى جانب المحتاجين فعلا للتبرع والمساعدات لضيق ذات اليد أو عسر الحال، يشير مراقبون إلى أن محتالين بدأوا ركوب موجة طلب المساعدة عبر التغريدات، فيما يمكن أن يوصف قانونا بأنه جريمة احتيال.

الاستيلاء على المال

يعرف الاحتيال أو النصب، وقد استخدم المنظم السعودي كلا الوصفين بأنه «الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة، وذلك بنية تملك هذا المال».

ويتم الاحتيال عادة بالمراوغة حتى يتم استلام المال عن قناعة المجني عليه.

ويستهدف الاحتيال المالي دائما بشكل مباشر أو غير مباشر، وينصب على إرادة المجني عليه للاستيلاء على ماله دون أن يدري أنه عرضة لعملية مراوغة وخداع، ولا بد في الاحتيال قانونا من توافر نية الاحتيال لدى الجاني.

العقوبة

حدد نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية في مادته الرابعة عقوبة الاحتيال، حيث نصت على أنه «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مليوني ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية الآتية:

1 - الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو على سند، أو توقيع هذا السند، وذلك عن طريق الاحتيال، أو اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة.

2 - الوصول- دون مسوغ نظامي صحيح- إلى بيانات بنكية، أو ائتمانية، أو بيانات متعلقة بملكية أوراق مالية للحصول على بيانات، أو معلومات، أو أموال، أو ما تتيحه من خدمات.

وعلى الرغم من أن جريمة الاحتيال قد تكون أوسع نطاقا من حصرها في دائرة الجرائم المعلوماتية، فإن الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وشيوع التقنية بين الجميع، جعل استخدامها ملحوظا كوسيلة يتم عبرها الاستيلاء على مال الغير بالنصب أو الاحتيال.

قصة سارة قد تتكرر

أفادت الباحثة الاجتماعية نورة الفيفي لـ»الوطن» أنه قبل عدة أشهر طالب عدد من المغردين ممن يصنفون ضمن فئة المشاهير والذين يقدمون إعلانات لمساعدة عائلات محتاجة بأن يتم التأكد من الحالة المادية لتلك الأسر قبل عرض حالاتها على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك في خطوة تهدف إلى تجنب الوقوع في عمليات احتيال ونصب منظمة، وقالت «كثير من المحتالين قادرين على تزوير مستندات وصور رسمية بأسماء قد تكون حقيقية مثلما حدث قبل عدة سنوات مع الحساب المروّج للطفلة سارة المصابة بالسرطان والتي تفاعل معها عدد كبير من المشاهير، ونجم عن تفاعلهم الحصول على تبرعات بمبالغ طائلة قبل اكتشاف حقيقة الحساب الوهمي الذي قام بسرقة الصور من إحدى الحسابات الأجنبية لكسب تعاطف الجمهور، ومارس ذلك العمل لأشهر طويلة».

وأشارت إلى أن تطبيق «فرجت» يعد الحل الأمثل لتفادي عمليات النصب الفردية أو المنظمة على شبكات التواصل الاجتماعي، فمنذ إطلاق حملة فرجت في رمضان الماضي شهدنا مساعدات بالآلاف لعائلات محتاجة بطريقة قانونية ومضمونة للجمهور والجهات الحكومية، وأوضحت «قد لا يدرك المجتمع خطورة التعامل مع الحسابات الوهمية التي تهدف إلى طلب المساعدة المادية، فالمسألة أبعد بكثير من خطورة الاستيلاء على مال الغير، وقد تصل إلى التورط في مساعدة أصحاب الحسابات المشبوهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي».

خدعة سداد الإيجار

يشير محمد اليامي إلى أنه كان عرضة لعملية احتيال تمت عبر موقع «تويتر»، ويقول «أضافني حساب حمل اسم (أبو أحمد يحتاج مساعدة)، وذلك قبل عدة أشهر على موقع تويتر، وبعد أيام أرسل لي صاحب الحساب أوراقا رسمية عبر المحادثة الخاصة تفيد بحاجته لمبلغ لسداد الإيجار المتأخر عليه والبالغ 15 ألف ريال، وبعد عدة أيام أخرى وجدت ذات الأوراق الرسمية في أحد الهاشتاقات الرائجة بحساب آخر، ولذا بلغت الجهات المختصة التي تحققت من هوية الحسابين وتم اكتشاف أنها للشخص نفسه».

وأضاف «استعدت أموالي بمساعدة الجهات المختصة، وتبين أن صاحب الحساب شاب في مقتبل العمر يمارس هذه الخدعة بهدف الحصول على المال».

عقوبة مغلظة

أفادت المحامية ريم النعيمي لـ»الوطن» أنه وحسب تقريرٍ لمؤسسة النقد حول الاحتيال المالي وإرشادات الرقابة، فإن أصعب تحديات مكافحة الاحتيال تتمثل في إسهام مستجدات التقنية في عمليات تزويرٍ عالية الدقة للوثائق والمستندات التي يصعب اكتشافها بالطرق والوسائل المتوفرة للأشخاص العاديين.

بدورهم، أشار مستشارون قانونيون إلى أن النيابة العامة تنشط في تتبع بعض التصرفات والتغريدات والوقائع، خصوصاً وأن جمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ممنوع قانونا، وطالبوا وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتحذير من هذه الحسابات.

تحريف عن المهمة

يرى العضو السابق في اللجنة الأمنية بمجلس الشورى عبدالرحمن أبوحيمد أن «حسابات ومواقع التواصل الاجتماعي يفترض أن تكون مكانا لنقل المعلومات والصور والفيديوهات التي تحمل خيرا وعلما نافعا يتم تبادله بين المتعاملين معها، أما أن تستعمل تلك الحسابات لطلب المساعدات المالية، فأعتقد أن ذلك يحرّفها عن دورها ومهمتها ويشوه سمعتها، وربما يضطر كثيرون إلى مغادرتها والخروج منها والبحث عن بديل لها، فجمع التبرعات سواء لدفع ديات أو سداد ديون أو فواتير كهرباء وماء يحتاج إلى إثباتات، وإلى التيقن من صدق المحتاج، وأنه ليس محتالا يجمع المال فقط، وعلى أي حال فإن الجهة التي تسمح بانتشار مثل هذه الحسابات أو منعها هي إدارة الموقع نفسه، فهي الأدرى بأهدافه ومحتوياته وخصائصه».

زعزعة الثقة

أكد الإخصائي النفسي سعد الغامدي أن استخدام وسائل التواصل للاحتيال المالي عبر طلب المساعدات وادعاء الحاجة، يزعزع الثقة ويخلط الأوراق، وقد يتولى جمع التبرعات فئات غير مخولة بالأمر من ولي الأمر، وقال «على المحتاج أن يطرق الأبواب الرسمية، وعلى الرغم من أن التكاتف الاجتماعي أمر سماوي وشرعي حثنا الله عليه، إلا أنه يجب أن يكون وفقا للأنظمة حتى لا ينحرف عن هدفه، وحتى لا تجمع الأموال تحت غطاء الصدقات لتحقيق أهداف غير تلك المعلنة بالنسبة لها، ومن هنا نتلمس أهمية أن يكون العمل الخيري تحت مظلات ومنصات رسمية».

ويضيف «يستعجل البعض البحث عن حلول سريعة، فيلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا موضوع يستلزم دراسته بعناية، علماً أن الجمعيات الخيرية منتشرة بكثرة في مجتمعنا، وهي تقضي حاجة الأشخاص المعنيين بالنظر إلى حالاتهم وظروفهم وبيئتهم، ولا بد هنا من أن تقوم الجمعيات الخيرية المتخصصة بدورها الإعلامي لعرض خدماتها للفئات المستهدفة، والتعريف بدورها».

الاحتيال أو النصب

هو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة، وذلك بنية تملك هذا المال.

وسائله

-المراوغة حتى يتم استلام المال عن قناعة المجني عليه

- يستهدف المال دائما بشكل مباشر أو غير مباشر

- لا بد أن تتوافر فيه نية الاحتيال لدى الجاني

عقوبته في نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية

01 السجن مدة لا تزيد على 3 سنوات

02 غرامة لا تزيد على مليوني ريال

03 إحدى العقوبتين

من الضوابط اللازمة لجمع التبرعات

الحصول على تصريح من الجهات المختصة

بيان الغرض من التبرعات

تحديد مباشري عملية الجمع وعناوينهم

يشترط أن يكون مباشر وجمع التبرعات سعوديين

تحديد الأماكن والطرق التي ستجمع بها التبرعات

تحديد المصارف التي ستودع فيها التبرعات

تحديد الطريقة التي ستجمع بها التبرعات وقيدها