لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات من وجود عادات وتقاليد وأعراف توارثتها الأجيال كما هي دون تدقيق النظر في محتواها وتقييمه ليميز الخبيث من الطيب، أُخِذَتْ هذه العادات والتقاليد والأعراف دون فلترتها لأخذ الجيد منها وطمر ووأد السيئ منها، يمنعهم من ذلك لوم المجتمع، ونعتهم بالفرنجة والمدنية، وبنسيان الماضي، والتملص منه والخروج من إطار الصور الذهنية المبينة على حكايات مُخْتَلَقَة تم تداولها في مجالسهم، وسِيَر تحكي الكرم والبطولات المنحوتة على صخور غرست في كثبان رملية، لإيهام الأجيال اللاحقة بأن التل الرملي كان جبلاً شامخاً قبل عشرات السنين، وأنهم في الكرم أحفاد حاتم الطائي، وهم المثل الأعلى للصفات الحميدة.

إن المعتنقين لهذه الأفكار المغلوطة يقفون سداً منيعاً وأحجار عثرة ضد أي تطور إيجابي وتغيير بَنّاء، بل يمنحون أنفسهم الوصاية على خلق الله وقد خلقهم الله أحراراً، وأنعم عليهم بالعقول، فهم يميزون بين الخير والشر، فليسوا بحاجة إلى الإملاءات الجوفاء، ولا للوصاية عليهم.

من يخرج من إطار العادات المجتمعية البالية والأعراف الخاوية المتوارثة التي طُوّقت بها الأعماق، وكُبّلت في أوحالها الحريات، تظهر فجأة مكنوناته، وتبرز بسلاسة إبداعاته، وتتفجر وتنساب طاقاته، رأى النور وخرج من الظلمات ومن السجن المجتمعي للحرية النقية.

فلا نسمح لأي أحد يقيد همتنا أو يحاصر طموحاتنا، بل علينا أن نحلق في سماء الإبداعات كيفما نشاء ومتى نشاء.

ما أجمل الحرية المؤطرة بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف! فهي فضاء رحب، وحضن دافء، يسع الجميع دون استثناء.

علينا جميعاً أن نكون حصناً قوياً ضد تلك العادات السيئة، والأعراف الهالكة المهلكة، وممتعضين وغير متكيفين لها أبداً، وحين تَتَمَلَّكْنا عنوة، أو تدخل بالخطأ في جعبتنا، علينا أن نحطمها بقسوة، ونبددها بحكمة، فإن أكبر الأخطاء وأبشعها هو الاستسلام والرضا بها.