لا أدري لماذا تعود بي الذاكرة إلى سني الدراسة الجامعية في أواخر الثمانينات الميلادية التي حفلت باستمرار الحراك الثقافي المشهود بين الأصالة والحداثة في الشعر العربي خاصة وما رافق ذلك من نتاجات نقدية لها رموزها المعروفون حينئذ، كنّا طلابا في قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وكنا نتحرى الفرص والندوات التي ينظمها نادي جدة الأدبي وكذلك قسمنا في قاعة الكلية، حيث نجلس متابعين ومنصتين لما يدور من نقاشات أبطالها أساتذتنا في القسم وأذكر منهم الدكتور عمر الطيب الساسي والدكتور عاصم حمدان والدكتور عبدالله المعطاني والدكتور جميل مغربي ثم الدكتور عبدالعزيز السبيل ولا أنسى الدكتور محمد خضر عريف الذي كانت له معركة خاصة مع رواية وليمة لأعشاب البحر حين صدورها آنذاك، إضافة إلى بطل الأسلوبية وأستاذها الدكتور منذر عياشي.

والواقع أني ومن معي من زملاء القسم ومنهم الصديق الدكتور منصور عواد والصديق المبدع محمد المنقري والصديق فهد الشريف مدير تحرير ملحق الأربعاء العريق، والدكتور مروان قماش، لا نترك موعدا لمحاضرة أو أمسية دون أن نحضرها ما أمكننا ذلك حيث كنّا نشكل وعينا الثقافي ورصيدنا المعرفي، وكان يشدنا ما نراه من قدرة على تناول القضايا الأدبية والنقدية من أساتذتنا بل إنا نحمل تفاصيل المناقشة صباح اليوم التالي إلى قاعة المحاضرات والساعات المكتبية لأساتذتنا؛ لنكمل في تنافس حميم ما بدأ البارحة في طقس من المتعة والتلذذ المعرفي والشغف بالجديد وملاحقة المصطلح وتفكيكه.

تلك الأيام لم تبرح ذاكرتي وما أفتأ أعزي النفس بها وأنا أرى كثيرا من طلاب أقسام اللغة العربية وآدابها اليوم معرضين عن كل ما يبني شأنهم المعرفي ويطور مقدرتهم الإبداعية ويعمل على تشكيل ذواتهم وآرائهم حتى تبدت عليهم هشاشة اللغة والضعف المهاري العام في علوم وفنون أمضوا ويمضون قدرا غير يسير من أعمارهم في درسها واكتساب معارفها، ولا أرى سببا أدى إلى ما هم فيه سوى ندرة القدوات المعرفية من أساتذتهم الذين بأيديهم ترغيب طلابهم وجذبهم وإشراكهم في الفعل الثقافي وإقناعهم به قراءة وممارسة وحضورا مهما كان طغيان عصر التقانة والجدّة بل يمكن أن يكون ومعطياته رافدا قويا لاستحضار المعلومات والمعارف بكل سهولة ويسر إذ أضحت المكتبة الإلكترونية متوافرة في جيب كلّ منا وعلى راحة يده.