في هذا المقال أقترح وأوصي بشدة دول الخليج العربي بخطة عملية من عدة نقاط ومحاور آمل تطبيقها بأسرع وقت ممكن، وهذه الخطة إذا طبقت بإذن الله ممكن أن تجعل دول الخليج تعبر بحر أزمة كورونا بكل ثقة واقتدار، دون أي مصاعب كبرى قد توثر فيها صحيا أو اقتصاديا.
في البدء من باب السرد التاريخي حتى نرى مسار وأحداث الأزمة، ومن ثم نستطيع رؤية وتوقع إلى أين تتجه. في بداية أزمة كورونا ذكرنا أربع نقاط:
-1 إن سيناريو أزمة إيطاليا لن يتكرر في الخليج بسبب اختلاف العوامل الصحية والديموغرافية مثل نسبة كبار السن وغيرها.
-2 انتشار لقاح الدرن بين سكان دول الخليج العربي سيعطي نوعا من المناعة، وتقليل حدة المرض مقارنة بأوروبا، وأمريكا التي لا تعطي في الغالب لقاح الدرن.
-3 الجو الحار والصيف سيقلل من شدة المرض في دول الخليج مقارنة بأوروبا، وأن الفايروس سيسير مسارا موسميا، أي يزيد في الشتاء ويقل في الصيف.
-4 الكمامات يجب أن تكون للجميع وليس للمرضى فقط. لذلك كنا متفائلين في أشد أوقات الأزمة عندما كان التفاؤل شبه محرم عند البعض.
الأحداث أظهرت بجلاء لا لبس فيه، أن سيناريو وعوامل الخليج مختلفة عن أوروبا، ولن يحدث سيناريو إيطاليا، وأظهرت الأبحاث العديدة حول العالم، أن لقاح الدرن كان عامل حماية ووقاية وتقليل من شدة كورونا، أما الكمامة للجميع فأنتم تعرفون التوصيات الحالية، أما قلة الحالات في الصيف ومن ثم الموجة الثانية وارتفاع الحالات مع دخول الشتاء كما حدث في أوروبا ونصف الكرة الأرضية الشمالي، فشبه إجماع بين العلماء، ومنظمة الصحة وصلت لهذه القناعة، وحذرت من أن كورونا أصبح يزيد في الشتاء وينقص في الصيف، وما زالت قلة بسيطة من (المحرجين من أنكروا تأثير الفصول في كورونا)، يرون أن الموجة الثانية أتت بسبب قلة الاحتياطيات، ومنطقيا هذا الكلام غير مقبول، لأنه لا يعقل أن سكان أوروبا في يوم واحد قرروا فجأة التخلي عن الاحتياطات يوم دخل الشتاء، فزادت الحالات!
لا أذكر هذا السرد التاريخي انتصاراً لرأي شخصي، أبداً، بل من الغباء لأي مختص أو عالم يصر على رأيه لمجرد الهوى، فآفة الرأي الهوى، ولو وجدت أياً من آرائي التي قلتها غير صحيحة، لتراجعت عنها، لأني بشر أخطئ وأصيب، وإن أصبت فهذا توفيق من الله، ولكن هذا السرد أذكره لأن له علاقة وطيدة بما سأذكره لاحقا من خطة عملية.
خلال الفترة السابقة عملنا ليل نهار على تقييم وإعطاء التصاريح وإجازة تجارب لقاحات كورونا، وراجعنا آلاف الحالات، وكانت تأتينا التقارير بشكل يومي، بل لحظي، ونعرف تطورات ما يحدث، وكانت التقارير دقيقة ومستقاة من مصادر رسمية وشركات مصنعة ومرضى، وطبعا لا نعتمد على الإعلام والإعلانات التي تكون مصادرها بعض الأحيان غير دقيقة، واعتمدنا على الأسس العلمية في تقييمنا، وأستطيع القول بكل ثقة إن أفضل تعامل حاليا مع الفيروس بناء على ظروف الخليج الحالية، وحتى لا يضرب الخليج بموجة ثانية من كورونا مع دخول الشتاء، وحتى لا تقع إغلاقات للاقتصاد قد تؤثر في الحالة الاقتصادية نقترح التالي:
أولا، شراء كميات كبيرة من اللقاحات (غير النشطة) لكورونا - ذات الفيروس المقتول الآمنة - فوراً، وعمل موافقة طارئة للقاحات يتم إعطاؤها فورا للفئات الأكثر تعرضا والأقل مناعة، وكما هو معروف فإن اللقاحات غير النشطة آمنة في الغالب، ولا توجد مضاعفات عادة على المدى الطويل (لأن الفيروس مقتول)، كما أنها أنتجت أجساما مضادة بكمية كبيرة لآلاف الأشخاص الذين تم تقييمهم.
أعرف أن بعض دول العالم من خلال بعض المستشارين ضيقي الأفق استغلوا جهل مسؤولي الصحة، وأشاروا عليهم بتجربة لقاحات نشطة (فيروس ضعيف) من مصادر ليس لها الخبرة والمعرفة في هذا المجال، وللأسف هذا أسلوب كما يقول إخواننا الكويتيون بالمثل (قطوهم على صخر)، ما هو المنطق عندما تكون عندك أزمة عاجلة وتذهب لتجربة اللقاح الأقل أمانا والذي تحتاج إجازته مدة طويلة!!. أنصح دول الخليج وبشدة بأخذ اللقاحات (ذات الفيروس المقتول) الآن كجسر لعبور الأزمة، خصوصا أن النتائج مشجعة للغاية وآمنة، وهو متوفر نسبيا في الوقت الحالي وبعض الدول الخليجية طلبت كميات كبرى منه، ولا أعتقد أن دول الخليج كحكومات لديها مشكلة في أن تحصل على نتائج اللقاحات غير النشطة من مصادرها الرسمية، والتي ستظهر الأمان والنجاح الباهر لها، ولاحقا عند حصول اللقاحات الأكثر تقدما (الغربية) على الموافقة مثل لقاحات (إم آر ان أيه) وغيرها، يتم استخدامها للخليجيين على المدى الطويل، مع أنه عمليا أعتقد أن الغربيين سيوفرونها لبلدانهم أولا، لذلك واقعيا لن تأتي اللقاحات المتطورة ربما للشرق الأوسط إلا في العام القادم!
ثانيا، شراء كميات وملء المخازن من لقاحات الدرن، أعرف حاليا أن هناك طلبات كميات كبيرة حول العالم للقاح الدرن، وقائمة الانتظار لأشهر، يبدو أن بعض الدول بذكاء وصلت إلى المعادلة التالية، (لقاحات غير نشطة + لقاح الدرن)، وسيعبرون شتاء كورونا بكل سهولة، وفي الوقت نفسه تقل الإغلاقات والوفيات وشدة الإصابات.
من باب العلم لا تربطني أي علاقة مادية بأي شركة أدوية أو مصنعة للقاحات.
-3 الاستمرار في الإجراءات الاحتياطية المعتادة، دون بث الرعب، بل الطمأنينة بين المواطنين، فلا شيء أسوأ من الفيروس، إلا الخوف الزائد والاكتئاب، ووضع الخليج أفضل بمراحل من غيره!.
يجب على متخذ القرار أن ينظر للأمور نظرة إستراتيجية وذات افق أوسع، والموازنة بين الصحة والاقتصاد والحياة الطبيعية.
اتخاذ الخطوات أعلاه سيؤدي بإذن الله إلى استمرار الحياة الطبيعية ومنع الإغلاقات، فأي إغلاق ليوم واحد يسبب خسائر بالمليارات.
يجب أن تكون المصلحة العامة من جميع الأوجه أساس البوصلة لاتخاذ القرار الصحي. قد يملك البعض خططا مختلفة، لكن ارجعوا إلى بداية الأزمة ومسارها وما ذكرناه وما تحقق وقارنوا، الموضوع ليس تمسكا برأي ضد آخر بل مصلحة الخليج، وطبعا لكل دولة سيادتها وحريتها باتخاذ ما تراه مناسباً.