‏مركز صحي «X» ينجح في التعامل مع حالة ولادة طارئة لامرأة في العقد الثالث، وينقلها بعد الولادة إسعافياً لمستشفى الولادة والأطفال بـ «Y» وهي والمولود بصحة جيدة. هذا هو أحد الأخبار المهمة التي نشرها أحد المواقع الإخبارية على تويتر، و»فتح الله عليهم» بهذا الخبر الطبي وتمكنوا من نشر هذا «الفتح» العظيم في تاريخ الطب والأطباء و»كل عام وأنتم بخير».

صحيح أن هذا الخبر في الإعلام مثل نجاح ذلك المستوصف في التعامل مع حالة ولادة، فكلاهما يظهر مدى هشاشة الركائز التي بنوا عليها مهنيتهم، ولكن السؤال لماذا يعتقد الموظفون بذلك المستوصف أن عملية توليد امرأة في العقد الثالث خبر يستحق النشر أو لماذا «يحكى» فيه من أصله؟.

السبب هو أن العمل حينما يعتمد على البدلات و»كم سآخذ وكم سيأتيني» يتحول من عمل «إنساني» إلى «رأس مالي» بغض النظر عن الديانة أو العرقية التي ينتمي لها هذا الموظف.

أتذكر أنه قبل 20 عاما وفي مستوصف صغير «مستأجر» كانت تعمل هناك ممرضة فلبينية في إحدى القرى الصغيرة وشبه المعزولة عن الاتصال الخارجي «لا شبكات جوال ولا هاتف ولا بطيخ»، ونظرا لأن أقرب مستشفى كان يبعد 100 كيلو عن هذه القرية، فقد احتفلت هذه الممرضة بولادة

ما يزيد عن 200 مولود خلال فترة عملها هناك والتي قاربت 10 أعوام، وكانت بعض حالات الولادة تأتي قبل الفجر أو الساعات المتأخرة من الليل، ولم يكن ذلك العمل «الإنساني» والتي هي غير مكلفة به من الأساس، لم يكن ليثنيها عن عملها في صباح غد ذلك اليوم.

وكانت تقدم الخدمات التثقيفية للأمهات الجدد، في كيفية التعامل مع الرضيع الذي يعاني من «استفراغ» مستمر بكيفية تفريغ الهواء بطريقة لا تجعل الرضيع يعاني كما يعاني أغلب «الرضع» في زماننا هذا مع كل وسائل التثقيف هذه.

بل وكانت تجري بعض العمليات الصغرى، كاستخراج «الكيس الدهني» من المواقع غير المعقدة، وهي من تتابع تلك الجراحة، بل هي من قام بالتخدير من أساسه، وفي الحالات المعقدة تستدعي طبيب المستوصف الذي كان يسكن بالجوار، تاركا لها «الخيط والمخيط» لأنه من طراز «العلم في الرأس ماهو في الكراس»، ومع ذلك كله لم يكن راتبها يتجاوز الـ 2,700 ريال.

لقد كان لدى الطواقم الصحية حينها شجاعة وإقدام وعدم خوف من التحقيق والخصم، ولم يكن هناك مجال للاستقعاد لمن أراد أن يقدم عملا إنسانيا كما هو الحال اليوم، والذي يجعل حتى «الاستشاري» لن يتوانى أو يتأخر في جلب «نموذج الإحالة» فقط ليتقي شر التحقيق والشكاوى وفي المقابل لو لم يقدم أية تضحيات طوال مسيرته الطبية فلن يؤثر ذلك على دخله الشهري الذي «يزيد ما ينقص» وهذا ما جعل الطواقم الصحية في زمننا هذا ومع كل هذه التقنيات من الاتصال والنقل الطبي الفوري وغيره، ما زالت ترى أنها قامت بتضحيات عظيمة حينما أنهت (ولادة في المستوصف).