أصدر أمير منطقة الرياض الشهر الماضي توجيهاته بالسماح للعزاب بدخول الأسواق التجارية، وفي الأسبوع الماضي فرضت إمارة منطقة الرياض عقوبات صارمة بحق من "تثبت" عليه "تهمة" "المعاكسة" وفق ما أوردت الصحافة، وتم توجيه الجهات المعنية بإيقاع عقوبة السجن لمدة خمسة أيام على من تثبت عليه التهمة، وتشديد "العقوبة" على من يضبط بالتهمة نفسها بالسجن خمسة وثلاثين يوما وإحالته للقضاء الشرعي لإيقاع العقوبة المناسبة بحقه.

رائع من حيث المبدأ هذا التوجه من الإمارة إذ من المهم جدا استيعاب الشباب وتوجهاتهم، والانتقال من المنع للسماح الممنهج والتوجيه، فالمنع في هذا الزمن الذي سمته الأولى هي الانفتاح قد تكون نتائجه عكسية، وكم كانت المبادرة رائعة بالسماح للشباب بدخول المراكز التجارية، ثم منهجة ذلك من خلال التوجيه اللاحق له بإيقاع العقوبة على المعاكسين.

أعجبني في التوجيه الأول استناده للنظام كما بين معالي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين علق على القرار (وفق ما أوردت الصحافة السعودية)، مؤكدا أنه ليس هنالك سند نظامي لقرارات المنع السابقة، وأنها كانت تطبق بناء على رغبة أصحاب تلك المراكز التجارية. أعجبني أيضا أن التوجيه اللاحق بشأن معاقبة المعاكسين الذي حاول الاستناد للنظام (وفق ما أوردت الصحافة السعودية).

من الناحية النظامية البحتة وبغض النظر عن الاتساق مع التوجيه من ناحية الملاءمة فإن هنالك العديد من الأسئلة التي تثور في الذهن بهذا الشأن، لعل من أهمها بالنسبة لي ما يتعلق بتعريف "المعاكسات" ومن هو المعاكس أو المعاكسة؟ وما "المعاكسة" التي توقع "المعاكس" تحت طائلة هذا التوجيه؟ وما المدة بين الفعل وتكرار الفعل التي توقع المعاكس تحت طائلة التشديد؟ ثم كيف تتم معاقبة الشخص مرتين على ذات الفعل إذ ورد في الخبر ".. بالسجن خمسة وثلاثين يوما وإحالته للقضاء الشرعي لإيقاع العقوبة المناسبة بحقه".

من ناحية أخرى، استند التوجيه للمادة 113 من نظام الإجراءات الجزائية والتي تنص على أنه "إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حال هروبه أن الأدلة كافية ضده في جريمة كبيرة أو كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه لمنعه من الهرب أو من التأثير في سير التحقيق فعلى المحقق إصدار أمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة أيام من تاريخ القبض عليه".

يتبين من نص المادة 113 أنها تعنى بما يطلق عليه "الحبس الاحتياطي" في الأنظمة والقوانين المقارنة، وهو يعد أحد إجراءات التحقيق الأخطر والأهم نظرا لارتباطه بتقييد حرية المتهم "قيد التحقيق" دون صدور حكم في حقه، ولهذا يتعامل معه نظام الإجراءات الجزائية بتحفظ وحذر إذ ينص في المادة الثانية على أنه "لا يجوز القبض على أي إنسان أو تفتيشه أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا.."، كما أن المادة 112 من ذات النظام خولت وزير الداخلية دون غيره حق تحديد ما يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف.

وبمراجعة قرار وزير الداخلية رقم (1245) وتاريخ 23 /7 /1423 بشأن تحديد "الجرائم الكبيرة" التي تجيز التوقيف، نجد أن أقل هذه الجرائم وأكثرها قربا من الجزئيات المتعلقة بالشرف هي "القوادة، أو إعداد أماكن للدعارة، زنا غير المحصن، جرائم اللواط، فعل مقدمات الفاحشة بالمحارم، جرائم الاغتصاب الحمل سفاحًا إيواء الفتيات والأحداث الهاربين من ذويهم بقصد سيئ وامتهان الدعارة".

بالمقارنة مع هذه الجرائم البغيضة وبغض النظر عن إشكالية عدم تعريف مفهوم المعاكسة (وهي إشكالية مهمة يفتقد إليها التوجيه) فإننا مهما بالغنا فإن المعاكسة لن تصل بحال لأي من هذه الجرائم الأخلاقية الفظيعة التي تجيز التوقيف.

وعلى هذا فإن الاستناد للمادة 113 من نظام الإجراءات الجزائية في هذا الباب قد يحتاج لإعادة نظر من الناحية النظامية البحتة، إذ إنها ليست عقوبة بل إجراء من ضمن إجراءات التحقيق ضمن نطاق محدد ومقيد لا يجوز الخروج عنه، كما أنه لا يمكن الاستناد إليه لعدم شمول المعاكسة بقرار وزير الداخلية.

من ناحية أخرى نجد أن القرار يشير إلى التشديد في العقوبة عند ضبط المعاكس بذات الجرم مرة أخرى لتصل مدة "السجن" وفقا لمنطوق القرار إلى 35 يوما، وهذه المدة تقع خارج نطاق المادة 113 ولم يبين الخبر ما إذا كان هنالك استناد إلى مادة نظامية أخرى تخول هيئة التحقيق والادعاء العام حق "السجن" لا "التوقيف" لهذه المدة عقوبة لمن يقوم بالمعاكسة.

على الرغم من تأييدي للمبادرة من حيث المبدأ، إلا أنني أعتقد أن صدور نظام يعنى بالتحرش الجنسي بحيث يشمل المعاكسات وغيرها سيكون حلا ناجعا يغنينا عن الاجتهادات على مستوى الضبط والتحقيق وإيقاع العقوبة.

تغريدة: الحرية هي التعرف على الحدود والتحرك بانطلاق في إطارها. أما ألا يكون هنالك إطار فذلك لا يفيد، أو أن يضيق الإطار فتلك هي الأغلال.