على رقعة فلسطين التاريخية أماكن سُوّيت وأخرى خُلقت وشُيّدت، وبذاكرة فلسطين الصامدة آلام وجراح وأحزان كُمّمت وأخرى أُحدثت ورُسّخت، وفي التاريخ الفلسطيني احتلال ونكبات تكرّرت وتوالت.

وعلى مفترقات القضية الفلسطينية رموز ورجالات رحلت وستائر أُسدلت، وعبر رحلة الكفاح الفلسطيني أرقام وأيام ربما نُسيت، وتبدّلت إلى سرطانات ومعابر وأسوار أُنشئت.

ومن أصحاب القرار الفلسطيني اجتهادات ربما غُفرت وانقسامات وأخطاء ربما تجلّت فتعمّقت، فتشتدّ الصعوبات وتضمر الخيارات على تلك السفينة الحالمة إن رست أو أبحرت!

لقد أبدع عملاق الرواية الروسية وأحد أصلب أعمدتها الجاثمة على تلال الأدب الروسيّ العريق، تولستوي المعنون بالواقعية والسلام والأخلاق والمحبة الروحية، صاحب مقولة «أن لا إنسان ضعيف، بل يوجد إنسان يجهلُ موطن قوته».

فخطّت أنامله المسالمة تلك الرواية التي حملت اسم آخر جملها الحزينة، وغرقت تفاصيلها في سراديب الظلم وغياهب القسوة. تدور الرواية حول ذلك التاجر المسكين الذي تدفعه الرغبة بالربح إلى السفر والمغامرة، دون الأخذ بنصيحة زوجته التي رأت مناماً أزعجها وأربكها، وفي الطريق يقع ذلك التاجر في شِباك جريمة قتل لم يقترفها، ويُعثر على أداة الجريمة في حقيبة سفره، ويُحكم عليه بالسجن في أحد سجون سيبيريا مدة 26 عاما.

وفي أحد الأيام يدخل إلى السجن أحد المساجين الجدد، والذي يَثبت بعدئذٍ كونه المجرم الحقيقي لتلك الجريمة القديمة والبائسة، وبعد أن تعلم إدارة السجن بالحقيقة المرّة، تُصدر أمراً بإخلاء سبيل ذلك التاجر المظلوم.

بعد كل تلك السنين العجاف والأيام الماحقة، لكنّ القدر لم يهب للحقِّ مخرجا، ولكنّ الغد لم يتفضّل عليه برؤية النور الذي كاد أن ينساه، وقبل أن يموت ذلك التاجر في سجنه الذي غدا مقبرته الأبدية، يقول جملته الشهيرة:«إن الله يرى الحقيقة، لكنه ينتظر!».

منذ انشغال الإقليم وربما القوى المؤثرة في عالمنا أيضاً برياح عتبات عربات السلام المتدحرجة في المنطقة، لإنعاش المجتمع الدوليّ في نظرته إلى ملفات حل الدولتين، وتدشين المشروع الفلسطينيّ الكبير بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة وبعاصمتها القدس الشرقية، وتعظيم المكاسب الفلسطينية إلى حدّها الأقصى.

ربما ليس غريباً ربط تلك الرواية المؤلمة بتلك الدعوة الحالمة، ففي كليهما ظلم وقهر وسوء حال، وفي كليها أعوام عاشتها النفوس الممزّقة خلف قضبان الاحتلال الذي لا يرحم، وفي كليها عقود وعقود وأحياء وأموات، وبداخلهما طفولة كادت أن تشيخ وآمال كادت أن تتوارى.

وفي رواية تولستوي تحدّث ذلك المغلوب على أمره كثيراً وكثيراً، لكن لم ينصت إليه أحد ولم يأبه بحاله كائن من كان.

وأما الشعب الفلسطيني فإنه يرى الحقيقة، وينتظر!.