ارتبطتْ ذهنيًا فرضية الذكاء باللصوص، فلا يمكن تخيُّل لص غبي، ولا يمكن لغبيٍّ أن يغدو لصّا، أو -على أقل الأحوال- لا يمتلك ذكاءً بالمقدار الذي يُفضي به إلى تنفيذ مهمته ثم الهروب من مسرح الجريمة دون ترك أثرٍ واضحٍ يقود إليه. لكن ماذا لو تغيَّرتْ المعايير وانقلبْت الموازين وكان اللصُّ غبيًا؟!

يُحكى أنَّ في العام 1995 تمكَّنَ لصٌّ من السطو على مصرفَين، واللافت في الأمر إبَّان تنفيذه للجريمة أنه لم يرتدِ ساترًا يُخفي معالم وجهه، وعلاوةً على ذلك، اشرأبَّ إلى كاميرات المراقبة عامِدا والابتسامة تعلو وجهه. تمكنت الشرطة من التعرُّف عليه واقتفاء أثره بيُسرٍ وهذا كان متوَقَّعًا، لكن غير المتوقَّع اندهاش اللصّ من تمكن الشرطة من اقتياده، وأثناء التحقيق معه سُئِلَ عن سر الثقة المُفرطة التي جعلته يعتقد أن الشرطة لن تتوصَّل إليه وتعتقله على الرغم من أنه لم يضع قناعًا أسوةً ببقية اللصوص، فأجابهم إجابةً صاعقةً قائلًا إنه كان يعتقد أن وجهه مُحْتَجِبٌ عن كاميرات المراقبة لأنه سَكَبَ عليه عصير الليمون، وما إن سمعوا إفادته حتى قاموا بعرضه على طبيبٍ لفحص سلامته العقلية، وأخضعوه كذلك لفحص المخدرات، فأسفرتْ النتائج عن أنه لم يكن مُعتلًّا عقليًا أو متعاطيًا للمخدرات. هو فقط يعاني غباءً حدّ اعتقاده أن عصير الليمون الذي أراقهُ على وجهه يُخفي صورته عن رصد كاميرات المراقبة.

تلك الحادثة حضَّتْ طبيبين نفسيَّين يُدعيان دانينج وكروجر لدراسة السبب الذي جعل ذلك اللصُّ الغبي يُمعِن في الثقة بنفسه، وإن كان ذلك هو حال كل الأغبياء والجهلة أيضًا، فجمع العالمان عددًا من طلبة الجامعة في تخصصاتٍ متباينة، وأخضعوهم لبعض الاختبارات، ثم سأل الباحثان الطلاب ما إذا كانوا يعتقدون أنهم حقَّقوا نتائج جيدة أم لا، والمفاجأة أن الفاشلين منهم الذين حقَّقوا أقل النتائج كانوا دائمًا يُغالون في قدراتهم ويتباهون بها، بل واعتقدوا أنهم أحرزوا أفضل النتائج وتفوقوا على بقية أقرانهم.

استنتج الباحثان أن العلاقة عكسية بين الذكاء والثقة، فكلما انخفضتْ قدرات الإنسان ارتفعت ثقته بنفسه واعتقدَ أنه يعرف كل شيء، وبالعكس، كلما ارتفعت قدرات الإنسان انخفضتْ ثقته بمعرفته وازدادت شكوكه، وسُمِّيَتْ هذه النظرية بـ «تأثير دانينج وكروجر».

قد تنطبق تلك النظرية علينا جميعًا في بداية انخراطنا في أيّ حقل، فتكون ثقتنا في ذروتها حين تكون معرفتنا به طفيفة، لكن ما إن نُوغِل في تلك المعرفة ونرتطم بكُتلة تفاصيلها إلا ونُدرك أنّ الأمور أكثر تعقيدًا مما كنا نتخيَّل، فتنخفض ثقتنا ولا تعود للارتفاع إلا بعد أن تزيد معرفتنا كثيرًا ونُصبح مُلمِّين بأطراف ذلك الحقل أيًّا كان.

يعترضنا أشخاص في حياتنا اليومية يقترفون أفعالًا سَمْجةً تصحبها ثقةٌ مُفرِطةٌ في النفس تدعونا للنظر إليهم باستنكارٍ واندهاش في آنٍ، فنتساءل: كيف لهم أن يقوموا بمثل ذلك بكل ثقة دون اكتراثٍ لردود الأفعال؟ وما وجه الارتباط بين ما يجترحونه من أفعال وما يكتنزونه من ثقة؟ وأنَّى لهم هذا الكم الهائل من الثقة؟

أثر نظرية دانينج وكروجر يُفسِّر الكثير من الظواهر السلبية في حياتنا، مثل قيادة البعض لسياراتهم بطريقة متهورة، سيما صغار السن منهم، فالسائق المتهور قد يكون قليل الخبرة في القيادة لكن يعتقد أنه من أمهر السائقين، أو قيام بعض المديرين باتخاذ قراراتٍ مُتسرِّعةٍ لا يمتلكون إحاطةً بتبعاتها، أو وربما يُفسِّر فردية بعض لاعبي كرة القدم وتجاهلهم اللعب بجماعية، ما قد يؤدي إلى ضياع فرص الفوز على فِرَقهم، فكل أولئك أغبياء يُغالون كثيرًا في تقدير إمكاناتهم، فيعتقدون أنهم عباقرة وأصحاب قدرات خارقة.