السؤال الذي أطرحه في البداية: هل حصول الشخص على درجات عالية في شهادة اختبار قياس معناه أنه يمتلك مواهب وقدرات خاصة؟ هل مدارسنا وجامعاتنا من مهامها الرئيسة تخريج المبدعين والمفكرين؟.

تعالوا معي لقصة ظهرت قبل أيام على إحدى القنوات السعودية، عن شاب سعودي مصاب بالتوحد، وقف اختبار قياس مانعًا في تحقيق حلم دخول الجامعة، رغم نبوغه في مادتي الرياضيات والفيزياء، بسبب مشكلته في عسر القراءة.

في هذه الأثناء وأنا أطالع الخبر قفزت إلى ذهني قصة العبقري توماس أديسون عندما دخل المدرسة الابتدائية ولكنه لم يمكث فيها بحجة أنه لم يجتز اختبارات قياس لتلك المرحلة، وأنه غير قابل للتعلم، وأنه بليد ومعاق ومتخلف العقل، فلم يسمح له النظام التعليمي بمواصلة الدراسة!

فعلًا قصة خالد القصير فيها تشابه إلى حد كبير مع قصة توماس أديسون، فوالدة خالد ذكرت أن ابنها منذ صغره ظهرت عليه علامات النبوغ في الرياضيات، ويقرأ أرقامًا كبيرة، ومهتم بالفيزياء وعلم الفلك ويحلل النظريات، وأن الكثير من معلميه أجمعوا على أنه عبقري، ولكن عندما تأتي الاختبارات التحريرية تنخفض درجته، لعدم وجود طريقة شفهية تناسب وضعه. وأنها تقدمت 6 مرات لقياس عندما كان في نهاية أولى ثانوي لتمهد لهم أن ابنها يحتاج قارئا، وكانوا يرفضون، ويتعللون بأن نظامهم لا يوجد فيه ذلك، حاولت مرارًا وتكرارًا ورفعت خطابات للمسؤولين وفعلا تمت الموافقة وحصل خالد على درجة 79 وحاول أن يختبر مرة أخرى ليعدل درجته إلا أنهم رفضوا الطلب! والدة توماس أديسون حاولت هي الأخرى أكثر من مرة إدخال ابنها إلى المدرسة لكن دون جدوى، أدركت أن حكم المدرسة على ابنها كان جائرًا وخاطئًا، فعلمته بالمنزل فأظهر شغفًا شديدًا بالمعرفة وأبدى نضجًا واضحًا مبكرًا، ففي طفولته وصباه كان يقرأ في أمهات الكتب من أمثال كتاب (انحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها) لإدوارد جيبون، وروايات شكسبير والتاريخ الأمريكي، وهذا دليل واضح على النضج المبكر، وهذا يؤكد أن عقل أديسون كان أكثر نضجًا وأنفذ بصيرة من اختبارات قياس التي وضعتها المدرسة. وهنا علينا أن نتساءل: لماذا هذا التنميط والتخشب في التعامل مع المبدعين والنوابغ من شبابنا السعودي؟ هل هذه الآلية ‏تحقق هدف الاستثمار في رأس المال البشري السعودي؟ ثم من قال إن الجامعات العالمية لديها اختبارات مشابهة ‏تحدد مستقبل الطالب والطالبة؟

تعالوا معي للجامعات الأمريكية ‏والحائزة على مراكز متقدمة في التصنيف الجامعي على مستوى العالم، ‏وقد شهدت على ذلك بنفسي، إنهم يجرون مقابلة تستمر لساعات يقابلون الطالب ووالده ووالدته، ليسوا نمطيين مع الاختبارات ونتائجها بدليل أن اختبارات القياس لديهم لا تمثل اختبارًا مصيريًا يحدد مستقبل الطالب والطالبة بحيث تقف حجر عثرة أمام تحقيق حلم حياتهم، والقليل من الجامعات عندهم تعتمد هذا ‏النوع من الاختبارات لا تتعدى 1 % من مجموع الجامعات ‏الأمريكية. أخيرًا أقول: ما زلنا نكرر الأخطاء ذاتها فبعد 170 سنة على قصة أديسون اليوم نكررها مع الطالب النابغة خالد القصير الذي وقف اختبار قياس عقبة في تحقيق طموحه الجامعي.