رغم أنني لا أجيد من علم السياسة سوى أبجدياتها، وبالتالي فإنني لست مُحللا سياسيا ولا بكاتب حدث، ليس له إلا مُتابعة الأحداث والتعليق عليها، ومع هذا فإنني أقول ومن خلفية سلوكية صرفة، كون علم السلوك الإنساني هو قاعدة الاقتصاد والسياسة، فإن ما دار ويدور في شأن الانتخابات الأمريكية من هرج ومرج وشد الأعصاب هنا وهناك والترقب وما صاحب ذلك من تأويلات وتحليلات وتفسيرات من ناحية، وما ترتب على ذلك وما زال من ناحية أخرى من عواقب ربما ظهرت في صور سلوكية من قلق مُعمم لقراءة القادم، الجميع قادني لمناقشة بعض الجوانب السياسية في إطارها السلوكي.

بداية فإن الناخب الأمريكي لا شك لديه حاجات وتطلعات تشمل شتى مجالات الحياة ويُجمع السواد الأعظم من الشعب على ما يُهمه في قوت يومه وما يتبعه من ضرورات العيش والتي تتمثل في الشأن الصحي والتعليمي والنمو والازدهار الاقتصادي والأمني إلخ، الجميع يُشكل في نهاية المطاف «جودة الحياة» للمُواطن الأمريكي العادي، لا يتنافى ذلك مع وجود شريحة وهم أقلية مُقارنة بالمُجتمع العام الأمريكي، لديها أهداف أيدولوجية وسياسية وسيادية صرفة والتي تُناضل من أجلها، لذا يدلي الناخب بصوته والذي يُمثل الأغلبية وفقا لاحتياجاته السابقة الذكر، هنا يأتي دور المُرشح لحزبه، ليتصدر لتلبية مُتطلبات الأغلبية لجودة حياة هم ينتظرونها وكذلك الأقلية لمزيد من حصد الأصوات، يبدأ المُرشح هنا في التلاعب على عواطف الناخبين «الأغلبية والأقلية» وفقا للآليات السلوكية والتي يصنعها في العادة فريق علمي صرف «تحت الطاولة» من المُختصين في العلوم السلوكية وذلك بترجمة التطلعات والاحتياجات والمأمول لبرنامج انتخابي، وكذلك استغلال الثغرات والإخفاقات التي وقع ويقع فيها من هو على سدة الحكم وفقا لبروتوكول سلوكي، بهدف إحكام القبضة العاطفية على اتجاهات العامة والتلاعب عليها والتناغم معها، في المُقابل هناك سياسات عامة «لأمريكا» على المُرشح أن يُسقط نفسه فيها غصبا عن أنفه، بغض النظر عن توجهه الشخصي وإيمانه، وبغض النظر عن المُتطلبات الشعبوية وهي كما يقال «سياسة أمريكا في الشأن الداخلي والخارجي»، فعند صياغة البرامج الانتخابية يبدأ المُرشح في التلاعب على عواطف الجميع في الشأن الداخلي والخارجي بكلام أقل ما يُوصف «بالخارم بارم» والخارم بارم مُصطلح سوداني -حسب علمي- جميل يُلخص لك الكل المُجمل في كلمتين مخارجهما «العدم» وتأتي السعودية في العادة كونها الكيان العظيم والركيزة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وذات التأثير العالمي لثقلها الديني والاقتصادي والسياسي والتأثيري ضمن أجندات المُرشح، ليبدأ الحديث عنها في سياق انتخابي، الغالب فيه التهديد والوعيد، وعندما يتوسط كرسي الحكم في المكتب البيضاوي، تكون السعودية العظمى في العادة هي وجهته الرئيسية ومحطته الأولى في الزيارة.

ما يُهمني هنا في هذا المقال أمران؛ أولهما ما يتعلق بنا كشعب سعودي تجاه من تُسند له الرئاسة الأمريكية، تقوم العلاقات الدولية على مبدأ تحقيق المصالح بغض النظر عن كل شيء، لذا فسياسة الرئيس الأمريكي «أيا كان شخصه ولونه وحزبه» معنية بالدرجة الأولى بتحقيق مصالح بلاده بغض النظر عما قيل أثناء حملته الانتخابية، فالجميع «سراب بقيعة»، لذا علينا كمُواطنين أن نُريح أدمغتنا من الخوض في السياسة من خلال قراءات وتحليلات وتأويلات، ربما مصادرها مُعادية وخاوية المعنى «وخربوطية» المحتوى، والتي قد تُفضي في الكثير من الأحيان إلى مشاعر سلبية كالتوجس والخوف والترقب والقلق إلخ، يتمثل المخرج لنا هنا جميعا في إيماننا العميق بالله، بحفظه لبلد الحرمين «بلدة طيبة ورب غفور» ثم بقيادتنا الواعية الرشيدة والحكيمة والقوية، والتي تُدير لفة الأمور في بعدين، سياسي وإستراتيجي كبيرين، وتتصرف في المواقف وفقا لمُتطلباتها الحقيقية وهذا ليس بجديد، فكم من الأزمات الدولية التي عصفت بالمنطقة وخرجت منها هذا الدولة المُباركة بقوة وعزة وكرامة ومكانة، حامية سيادتها ومُحققة توازنا في الداخل والخارج، شهد به القاصي والداني، دورنا هنا في المزيد من اللحمة الوطنية والالتفاف حول قيادتنا وإخماد أصوات الناعقين هنا وهناك، والذين يتربصون بنا الدوائر ليل نهار، حيلهم وألاعيبهم وأكاذيبهم لم تعد تُخفى على أحد؛ وثانيهما ما نراه ونسمعه من تراقص وفرح ونشوة ممن يتأسلمون ويتحدثون بلغة الإسلام والعروبة، وهم منهما أبعد بلسان عربي مبين وحلة «عجمية» تركية وإيرانية وبأموال قطرية من قراءات سوداء بزعمهم الخبيث ونقص مداركهم وحقدهم الدفين وأهوائهم السرابية، من أن «بلد الحرمين» سيطاله كذا وكذا وسوف يُلحق به الأذى والضرر، الجميع قادم من البيت الأبيض، خيب الله مسعاكم وخسئتم، فليس لكم من الإسلام سوى التأسلم، وليس لكم من السيادة سوى العبودية، وليس لكم من التأثير سوى النعيق، وليس لكم من الحياة سوى الذل والهوان، وليس لكم من العروبة سوى مفردات اللغة وما عند الله فوق الجميع أعظم، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

المطلوب منا جميعا هنا هو إراحة عقولنا وإشغالها بالمُفيد على الصعيد الشخصي والأسري والمُجتمعي والمُؤسساتي، والبعد عن المصادر المُضللة وذات التأثير السلبي وإسناد الأمر لولاة إمرنا وعدم الخوض في تحليلات وتفسيرات لا تعود بالنفع البتة ولربما تلحق الضرر، حمى الله وطننا في ظل قيادته الرشيدة وحفظ لنا قادتنا وحقق لأمتنا النصر والتمكين.