تتعدد طبيعة العلاقات التعاقدية وتختلف بناء على وظيفتها والعائد منها، فالزواج والعمل على سبيل المثال علاقتان تقومان على العقدية بين طرفين، ويقوم كل منهما على الالتزام والوفاء بالحقوق والواجبات تجاه الآخر، وتحمل المسؤولية التعاقدية سواء في مضمونها العرفي والاجتماعي والديني أو في تفاصيل بنودها بين طرفي التعاقد، والتي يترتب على الإخلال بشروط العقد الجزاء والتعويض بسبب عدم الوفاء أو التأخر بالالتزام، لأن العقد شريعة المتعاقدين.

ويُعدّ التراضي الركنَ الجوهريّ من أركان العقد في القانون والشريعة، حيث إنّه يتحقّق من خلال القبول والإيجاب أي توافق إرادة المُتعاقدين، وإرادة المُتعاقد لا بد وأن تقوم على مفهوم الحُرية في الاختيار، فأبو حامد الغزالي يصف الحُر بأنه «مَنْ يصدر منه الفعل مع الإرادة للفعل على سبيل الاختيار على العلم بالمراد»، ويُعرف محمد باقر الصدر الحُرية بأنها «نفي سيطرة الغير»، أي أن الحُرية مُقيدة بما يمنع اعتداء الآخرين بعضهم على بعض، فالعلاقة في الزواج والعمل من أهم العلاقات الإنسانية التي تحتاج إلى نفي سيطرة الغير وتعزيز إرادة الفعل على سبيل الاختيار؛ من أجل الوصول إلى تحقيق هدف العلاقة والمنفعة التي تَرَاضى عليها طرفا التعاقد من خلال الوعي بمضمون هذه العلاقة التعاقدية، وأن أي خلل في بُنود هذه العلاقة نتيجته هي الوقوع في مأزق التوتر والعنف والانفصال والمطالبات القضائية بالتعويض من جراء الآثار الناجمة عنها.

فعقد الزواج عقد يقوم على النكاح في أصل التعاقد، ولكنه عقد يفتقر في المضمون إلى تحديد الحقوق والواجبات المعيشية، ويجعل من قوة أحد طرفي التعاقد يفرض سيطرته على الآخر بما يرى أنه واجب عليه من وجهة نظره، وعقد العمل يقوم على تقديم الخدمة مقابل الأجر، ولكنه عقد يبتعد عن تأطير الحقوق والواجبات في بيئة العمل وخارجه، ويجعل من قوة طرف إدارة العمل قادرة على فرض سيطرتها على العامل ووضعه أمام قلة الحيلة وشدة الاحتياج.

التشابه بين عقدي الزواج والعمل هو تشابه في إرادة الحرية «قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» التي يمتنع فيها كل طرف عن الاعتداء على الآخر، كما هو في نموذج العرض الذي تلقاه نبي الله موسى، عليه السلام «قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ»، من خلال صفة التعاقد وبناء شراكة فاعلة تقوم على حفظ الحقوق وأداء الواجبات وتطوير العلاقة من أجل الوصول بها إلى أرقى المستويات ومُعالجة أي قصور أو أخطاء يُبديها أحد طرفي العلاقة التعاقدية.

فالدين الإسلامي أكد إرادة الفعل والوضوح في علاقة الاتفاق والعقود مع الآخرين، وجاءت الشريعة بالأمر والتشديد على الالتزام والوفاء بالعقود وصيانتها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» المائدة 1، وأنه كُلما تميزت تلك العقود بمساحة الحُرية التي لا سيطرة فيها فإن هذه العلاقة التعاقدية تسلم من الإشكالات والخلافات، وتصبح ثقافة الوعي بها ثقافة منظومة مجتمع وخيار أمة وتألق وطن رُؤيته الحُرية في تحسين العلاقة التعاقدية.