قرأت مقالا في إحدى الصحف، نادى فيه صاحبه: أن انصبوا لأبطال التوحيد أنصاباً ومجسمات في الميادين، ولتكن من سائر الجهات والقبائل، بهدف تذكرهم وتخليد ذكراهم، والاقتداء بهم في حب الوطن.

وهذا تماماً هو فعل قوم نوح عليه السلام، والذي بسببه وقع الشرك، فقوم نوح عليه السلام لم يقصدوا الشرك قط، وإنما أرادوا تخليد ذكراهم والاقتداء بهم، وهو ما أراده صاحب المقال سواءً بسواء.

لقد كان الناس منذ آدم إلى نوح عليهما السلام، على التوحيد عشرة قرون، وكان هناك رجال صالحون من بني آدم، فأوحى الشيطان إلى قوم نوح أن ضعوا نُصُباً لهؤلاء الصالحين «ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر»، لا لعبادتهم، فأنتم أهل التوحيد، ولكنه نُصُب تتذكرون فيه أعمالهم، فلم تُعبد في أول الأمر، حتى أتت أجيال أخرى، فعُبدت، قال الله تعالى «وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا» قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسِي العلم عُبدَت»، فانظر أيها القاريء الكريم: كيف وسوس لهم الشيطان بوضع تلك النُصُب تحت غطاء تذكر أفعال القدوات في الخير، وكأنّ الخير والنشاط فيه لا يكون إلا بالأنصاب، وهذا من تلبيس إبليس، وقارنه بدعوة مَن يرى أن حب الوطن، إنما يحصل بوضع النصب في الميادين لأبطال التوحيد، واسأل ربك العافية.

ثم إن الدعوة في وضع النُصُب والمجسمات لأبطال التوحيد في المملكة لأناس من جهات وقبائل متعددة، نقول: والنُصُب التي وضعت للصالحين في قوم نوح، هي أيضاً لجهات وقبائل متعددة، فكان «ود» لكلب بدومة الجندل، و «سواع»: لهذيل، و «يغوث» لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، و «يعوق»: لهمدان، و «نسر»: لحمير لآل ذي كلاع، ولا يليق بمسلم أن يتبع سنن من حذرنا الله من مسلكهم.

فالغلو سبب للشرك ولو بعد حين، ولا يُلتفَت لما ذكره صاحب المقال من بلوغ النضج والوعي، فليس هو أكثر نضجاً ووعياً من إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، الذي مع توحيده الخالص، لم يأمن الشرك على نفسه وبنيه، فدعا ربه أن يجنبه وبنيه الشرك، كما في قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَام} قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: «هذا إبراهيم خليل الله، الذي حقق التوحيد، وحطم الأصنام بيده خاف على نفسه عبادة الأصنام، وخاف على بنيه، قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟».

فأبطال التوحيد - الذين يتخذهم صاحب المقال سُلّما لنشر الأنصاب - أجرهم على الله، ولهم منّا الدعاء، ومن الإساءة لهم وضعهم نُصُباً ومجسمات وتماثيل، وحاشاهم أن يرضوا بذلك.

إن أبطال التوحيد الحقيقيين في بلادنا هم «آل سعود» بدءاً من الإمام محمد بن سعود رحمه الله إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وبدءا من الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة ودعاتها من بعده، رحمهم الله إلى زماننا، وكذا كل من بذل جهداً مع قيادة هذا البلد فهو مأجور ومشكور، وهؤلاء القادة الأبطال من آل سعود، هم الذين أزالوا النصب والتماثيل، تحقيقاً للتوحيد، واتباعاً لسنة سيد المرسلين، وسداً لكل الطرق الموصلة إلى الغلو.

ولو استعرضتُ الوثائق التي كتبها الملك عبدالعزيز، بهذا الشأن لكانت كثيرة جدا.

إن حب الوطن يكون بتحقيق العقيدة الصحيحة، فهي التي بموجبها نعقد البيعة والإمامة والسمع والطاعة، لقيادة هذا الوطن المبارك المملكة العربية السعودية، وهي التي بموجبها نحذّر من الخروج على قادة الوطن، بأي قول أو فعل، وهي التي بموجبها ندافع عن وطننا وقيادتنا بأنفسنا وأموالنا وأولادنا، وليس حب الوطن بالنُصُب، والتماثيل والمجسمات ونحوها، ومن العجب العُجاب أن الإنسان لا يعرف قيمة وطنه، وأبطاله إلا بالنُصُب والمجسمات.

إن المأمول من صاحب المقال أن يعيد النظر فيما كتب، ويرجع عنه، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الخطأ، وقد يكون أراد خيرا، لكنه لم يُوفق إليه، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه».