في ‏ظل الانتشار المستمر لجائحة فيروس كورونا المستجد في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، ‏تتعرض سلامة وصحة شعوب المنطقة لتهديد خطير، ‏ويعاني اقتصاد دول المنطقة من الركود العميق، ‏وتتغير المعادلة الجيوسياسية بوتيرة متسارعة، ‏وخاصة في منطقة الخليج التي تتراكم فيها مختلف المخاطر والتحديات الأمنية، ‏الأمر الذي يشكل صدمة للسلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. ‏ولا بد من الإشارة إلى أن الوضع المذكور أعلاه جاء نتيجة لأسباب عديدة، ‏بالإضافة إلى سبب تطورات الصراعات المتأصلة في المنطقة، مثل الصراعات الجيوسياسية والإثنية والطائفية.

‏إن أبرز سبب أدى إلى المأزق الأمني الحالي في المنطقة ‏هو أن القوة العظمى الوحيدة في العالم، ‏وهي بلد ذو تأثير مهم في الشرق الأوسط، ‏تخرب التعاون الدولي لمكافحة الجائحة من خلال إلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين، ‏وتهدد انتعاش الاقتصاد العالمي بنزعة الحمائية، ‏وتمس بالنظام الدولي الحالي بنزعة التنمر الأحادي الجانب، ‏وتنفذ سياسة خاطئة في المنطقة تقوم على أساس المصالح الأنانية والانحياز إلى الأقوياء ضد الضعفاء واستعلاء الأحادية.

‏في ظل الأوضاع الدولية والإقليمية المحفوفة بالعوامل غير المتأكدة، ما أحوج يكون إليه ‏بالنسبة للمجتمع الدولي ودول المنطقة هو إعلاء وتكريس روح التضامن والتعاون والمستقبل المشترك. ‏وفي وجه التحديات المشتركة، و‏يُعد الاختيار بين الوحدة والانقسام وبين الانفتاح والانغلاق وبين التعاون والتصادم محكاً لحكمة دول المنطقة وضميرها وشجاعتها. ‏ألقى الرئيس شي جينبينغ كلمة مهمة في الاجتماع رفيع المستوى لإحياء الذكرى السنوية الـ75 لتأسيس الأمم المتحدة، ‏ودعا فيها كافة الأطراف إلى التمسك بطريق تعددية الأطراف من دون تزعزع وصيانة النظام الدولي الذي تكون الأمم المتحدة مركزاً له، ‏والعمل معاً على إقامة مجتمع مستقبل مشترك للبشرية ونوع جديد من العلاقات الدولية. ‏قد أثبتت الوقائع بعد حدوث الجائحة مراراً على أن المجتمع البشري يشارك في المستقبل الواحد، ‏وتعددية الأطراف تمثل صراطاً مستقيماً، وتعزيز استكمال الحوكمة العالمية يعد طريقاً لا مفر منه.

يرى الجانب الصيني أن جميع الدول أعضاء متساوية في المجتمع الدولي سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، فقيرة أو غنية، قوية أو ضعيفة، ‏وتتمتع بنفس الحقوق في تحقيق التنمية المتساوية والسعي وراء حياة جميلة والمشاركة في الشؤون الدولية. ‏فيجب أن يتم بناء نظام الحوكمة العالمية بمشاركة الجميع، ‏ولا يجوز الإدمان في المصالح الأنانية أو الاغترار بالنفس، ‏بل ويجب الالتزام بمساواة السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحل النزاعات بالطرق السلمية وغيرها من القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، ‏ويجب رفض الهيمنة وسياسة القوة والعقوبات الأحادية الجانب والاختصاص الطويل الذراع، ‏والعمل معاً على صيانة العدل والإنصاف الدوليين. ‏ويجب نبذ التحيز الأيديولوجي والخلافات بين الأعراق والثقافات، والتمسك بالقيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والعدالة والإنصاف والديمقراطية والحرية، وبذل جهود مشتركة لرعاية وبناء دارنا.

تتطلب معالجة القضايا المتشابكة في الشرق الأوسط تشاوراً بين الجميع. بينما تنتهج بعض الدول الكبرى نزعة أحادية الجانب وتفرض الضغوط القصوى لأتفه الأسباب وتلجأ إلى الهيمنة والتنمر على هواها، وذلك لن يؤدي إلا إلى تأجيج الصراعات والتوتر. لا يمكن حل الصراعات المختلفة في المنطقة بين ليلة وضحاها أو بالاعتماد فقط على دولة واحدة أو عدة الدول. إن المخرج الوحيد لصيانة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يكمن في التمسك بتعددية الأطراف ليس إلا. في هذا السياق، يدعو الجانب الصيني إلى احترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة دول المنطقة واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، والتمسك بالحوار والتشاور والتعاون متعدد الأطراف لإيجاد حل سياسي يتفق مع واقع المنطقة ويراعي مصالح كافة الأطراف للقضايا الساخنة في المنطقة، وإقامة إطار إقليمي يسوده الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستديم، وتعزيز الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط بالخطوات الملموسة.

إن الصين كشريك استراتيجي لدول الشرق الأوسط، ستواصل رفع راية السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك عالياً والتمسك بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية والالتزام بمقاصد السياسة الخارجية المتمثلة في صيانة السلام العالمي وتدعيم التنمية المشتركة، وتقف دائماً إلى جانب دول الشرق الأوسط وشعوبها، وتبذل جهوداً دؤوبة للدفاع عن العدل والإنصاف وصيانة السلام والاستقرار في المنطقة، وتوفر الخبرات والحلول والمساهمة الصينية في سبيل حل القضايا الساخنة في المنطقة. سيلتزم الجانب الصيني بمفهوم الحوكمة العالمية المتسمة بالتشاور والتعاون والكسب للجميع، ويعمل مع الجانب العربي معاً على مواصلة الدفاع عن تعددية الأطراف وتنفيذها بكل ثبات، وصيانة المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزاً لها والنظام الدولي على أساس القانون الدولي، ورفض أحادية الجانب والانسحاب من المنظمات والمعاهدات الدولية بشكل تعسفي، والدفاع عن الحقوق والمصالح ومجالات التنمية المشروعة للدول النامية، والدفع بالنظام الدولي ومنظومة الحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر عدالة وإنصافاً.

من أجل الاستجابة للهموم الأمنية المشروعة لدول الشرق الأوسط والخليج، وتجفيف منبع التوتر في منطقة الخليج واستكشاف الطريق القويم لتسوية الخلافات التاريخية وإحلال السلام، طرح مستشار دولة وزير الخارجية وانغ يي مبادرة بشأن إقامة منصة متعددة الأطراف للحوار في منطقة الخليج، ستتم فيها مناقشة القضايا الأمنية التي تواجهها المنطقة في الوقت الراهن على أساس صيانة الاتفاق الشامل لملف إيران النووي، وإدارة والسيطرة على الأزمات عبر التشاور الجماعي، سعيا للتوصل إلى توافق جديد حول صيانة السلام والاستقرار في المنطقة. كما طرح مستشار دولة وانغ يي مؤخراً المبادئ الـ3 بشأن إقامة منصة متعددة الأطراف للحوار في منطقة الخليج.

أولاً، التزام كافة الأطراف بمبادئ تبادل الاحترام والتفاهم والتنازل والمشاركة معاً في عملية الحوار ومعالجة همومها عبر التشاور المتساوي. ستكون الدول الموقعة على الاتفاق الشامل لملف إيران النووي ودول منطقة الخليج مشاركين طبيعيين في الحوار، ويمكن الدول خارج المنطقة التي لها المطالب المشروعة أن تقدم مساهمة إيجابية في إيجاد حلول وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

ثانياً، التزام كافة الأطراف بمبدأ خطوة مقابل خطوة نحو اتجاه واحد، واتخاذ إجراءات لبناء الثقة بشكل مشترك وتبادل إظهار النية الصادقة، يما يعزز الثقة بالمفاوضات تدريجياً. من أجل تحقيق الحصاد المبكر، يمكن للأطراف المعنية التعهد أولاً بإيقاف التصريحات والتحركات العدائية وعدم اللجوء إلى الحلول العسكرية لحل النزاعات، والتوجه نحو الهدف المشترك لصيانة الأمن الاستقرار في المنطقة.

ثالثاً، التزام كافة الأطراف بمبدأ حل المشاكل السهلة قبل الصعبة بشكل تدريجي، ويمكن البدء من الملفات المحددة ذات القواسم المشتركة لمصالح الجميع، وإطلاق الحوار في مجالات أقل حساسية نسبياً مثل الطاقة والملاحة البحرية والتجارة، والعمل على بلورة التوافق باستمرار، وتعديل مواضيع الحوار حسب تطورات الأوضاع، حتى الوصول إلى المجالات الحساسة التي تشمل أمن المنطقة.

يرحب الجانب الصيني بمشاركة جميع الأطراف المعنية في المبادرة، ويتطلع أن تعمل الأطراف المعنية بصدق وإخلاص على تقديم مساهمات إيجابية في إيجاد حلول وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. ويتبنى الجانب الصيني موقفاً منفتحاً من سبل ترجمة هذه المبادرة على الأرض، ويحرص على تعزيز التواصل والتنسيق مع الأطراف المعنية. لن يكون الحوار طريقاً مفروشاً بالورد، ولن يحقق أهدافه المرجوة بين ليلة وضحاها، لكن كما أشار إليه الرئيس الصيني شي جينبينغ في الكلمة الملقاة في مقر جامعة الدول العربية في عام 2016، على الرغم من أن طريق الحوار قد يكون طويلاً وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. فيجب على الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر بينها وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي. ويجب على المجتمع الدولي احترام الإرادة والدور لأصحاب الشأن ودول الجوار والمنظمات الإقليمية، بدلاً من فرض حلول من الخارج، ويجب التحلي بأكبر قدر من الصبر وإفساح أكبر قدر من المجال للحوار.

ظلت الصين كصديق عزيز وشريك وثيق للدول العربية في المنطقة، تشارك بنشاط في شؤون المنطقة منذ زمن طويل، وتعمل على تهدئة الأوضاع وتسوية الخلافات في المنطقة، ومواصلة تعميق التعاون المتبادل المنفعة مع الدول العربية الخليجية، وتقديم مساهمة في توطيد أسس التنمية والاستقرار في المنطقة. نثق دائماً بأن منطقة الخليج يجب عليها، بل وبإمكانيتها الكافية أن تصبح واحة يسودها الأمن والازدهار والرخاء، ويجب على شعوب منطقة الخليج بل وبإمكانيتها الكافية أن تتمتع بحياة جميلة يسودها السلام والسعادة والتنمية الكاملة. سنصل إلى الوجهة المقصودة في نهاية المطاف طالما خطينا إلى الأمام خطوة بخطوة، مهما طال الطريق. إن الخطوة الأولى التي تخطوها الأطراف المعنية بشجاعة نحو الحوار، حتى ولو كانت صغيرة، ستصبح خطوة كبيرة لإحلال السلام. لنتطلع معاً إلى أفق واحد جديد للأمن في الخليج.