من أعجب ما قد يراه الإنسان في حياته ما يحدث من ردات فعل تصدر من شريحة كبيرة في المجتمع، إثر تفعيل بعض القوانين التي تحمي الفرد وتضمن حقه في عيش حياة كريمة وآمنة، في ظل دول مدنية عادلة تمنح مواطنيها حقوقهم دون اعتبارات للجنس واللون والمذهب، وآخرها ما أكدته النيابة العامة في إعلانها قبل عدة أيام عن عقوبة من يستغل أي رابط لتعنيف المرأة، تعنيفا جسديا أو جنسيا أو نفسيا، فمن يطّلع -بحياد- على ردة الفعل هذه التي تعكس التفكير الجمعي للمجتمع السعودي عامة وللرجل السعودي خاصة، يعتقد لوهلة أن تعنيف المرأة أيا كان نوعه وطريقته ووقته هو جزء من التشريع الإسلامي في معاملة المرأة، وأن ضرب الزوجة جزء من بنيان الحياة الزوجية، وتعنيفها النفسي بالسيطرة والإذلال والامتهان «حتى لا ترفع رأسها» هي طريقة بناء الأسر وتربية البنات ومعاملة الأخوات. وهذا ما نراه في بعض الواقع ويتعارض مع حقيقة التعامل الإسلامي المبني على الإحسان ومكارم الأخلاق.

الفرق بين الحقيقة والواقع في التعامل مع المرأة في المجتمعات الإسلامية والشرقية تحديدا: أن الحقيقة تقوم على أن المروءة والنبل أن تعامل المرأة بإنصاف واحترام وتقدير ومساواة في الحقوق والواجبات وهذا ما يقوم عليه الدين الإسلامي وما عامل به النبي الكريم النساء. بينما الواقع أن المرأة في هذه المجتمعات عانت كثيرا في أساليب التعامل والتربية وفي إنصاف الحقوق، وهي مجتمعات على إسلاميتها إلا أنها في بعض التعاملات الإنسانية أبعد ما يكون عن الإسلام خاصة فيما يتعلق المرأة.

هذا النمط في التعامل مع المرأة القائم على التعنيف ليس وليد اليوم ولا الأمس، بل هو إرث قديم حملته المرأة على عاتقتها منذ العصور الأولى للبشرية التي تعاملت معها مرات بمنزلة الألوهية فعبدتها، أو شيطنتها لطبيعتها الخلقية حتى ظلمتها وغيبتها. ومرورا بالعصور المظلمة التي مرت بالعالم ومختلف الحضارات التي علمت أن المرأة مستودعا للبشرية وأداة لمقايضتها بين القوى المختلفة التي لن تتم إلا بالسيطرة عليها ماديا وجسديا ونفسيا، ليستمر الحال بين مختلف الأمم مع تباين التفلت من قبضة هذه الأغلال أو تركزه في بلاد الشرق التي خلطت بين الدين والعادة، بل استخدمت الدين لتكريس إذلال المرأة وهضم حقوقها وتعنيفها.

وليست أيام الصحوة عنا ببعيد التي ما زال جزء كبير حتى اليوم من المجتمع السعودي على سبيل المثال متأثرا بما نهجه من تعامل متطرف مع المرأة أصبحت حتى المرأة نفسها لا تستنكره ولا تقاومه، فهي إن لم تكن مشروع عار للأسرة فهي احتمال مؤكد للفتنة في المجتمع، وعليه صار التعامل معها وفق هذين النمطين اللذين يحدان من خياراتها في الحياة والحقوق والمعاملات، وأصبح من ينتقد القوانين التي وضعت لحمايتها فضلا عن القوانين التي تمنحها حقوقها يقول إن هذا مساس بالدين الإسلامي وهدم للأسر وتدخل في شؤون العائلات وطرائق تربيتها لبناتها، لا لشيء سوى أنه يرى دون مجال للشك أن حقه أن يضربها متى قرر بمقاييسه ومعطياته أنها تستحق التأديب، وأن الصراخ والنهر والشتم هو الأسلوب المستحق والأفضل لتقويم من يتوقع خطأه، وأن المتاح له من جسد المرأة حينما يعقد قرانه عليها أمر مستحق ولو بالاغتصاب والقوة.

هذا الواقع الذي ينوء بكثير من قصص التعنيف للمرأة بيننا لا يعني أن هناك أسرا استطاعت أن تكون أكثر رقيا وإنسانية في التعامل مع المرأة والرجل على حد سواء حتى في وسط أيام الصحوة ظلاما وهيمنة، وأن هناك نساء استطعن أن ينتشلن أنفسهن من ذلك الواقع بمقاومة صادقة نحو أهدافها ومستقبلها، وأن الكثير الآن من الأسر تسعى لخلع أسمال هذا الإرث المسيء للمرأة وأن ترى فيها إنسانا يستحق الأفضل معاملة وعطاء وإحسانا.

تصحيح معتقدات المجتمعات حول أمور اعتقدوا صحتها لوقت طويل، خاصة تلك المعتقدات التي هيئت لهم أنها دينية، يحتاج أن يكون تصحيحا قسريا من خلال المشرع في الدولة عن طريق الأحكام والقوانين والعقوبات النافذة التي تترتب على من يتجاوزها. وعلى المرأة في هذا الوطن الكريم أن توقن أن مثل هذه القوانين هي حق مكتسب لها لا يحق لأحد أن يتجاوزه أو أن ينال من كرامتها أو صحتها الجسدية أو النفسية تحت أي مبرر أو سلطة اجتماعية أو عائلية أو وظيفية، وأن يدرك الرجل الفاضل أن مزيدا من حقوق المرأة وتمكينها لا يعني نقصان المكان والمكانة التي كان عليها ولكن هو إدراك متأخر أن لك شريك في هذه الحياة له ما لك وعليه ما عليك من حقوق ومسؤوليات، وأن رجولة الرجل لا تهتز أو تنقص إن مُكنت النساء من حقوقهن، وأن الأسر لا تُبنى بالتنافس ولا التعنيف لأي فرد فيها، وأن ما يعيب المرأة من خطأ يعيب الرجل كذلك وجميعنا في ظل القانون سواء.