عندما نشاهد التغييرات الكبرى التي تحدث عبر رؤية المملكة 2030 وعلاقتها بالتغيرات التي تحدث في طبيعة الأعمال في كافة دول العالم فهناك تغيرات راهنة ومستقبلية نرى فيها بوضوح أن التوجه للعمل القائم على المهارة أصبح أهم وأقوى من الاعتماد على الشهادة التعليمية وحدها، وهذا لا يلغي أهمية الشهادة ولكنه يرفع من أهمية المهارة والتي يمكن الحصول عليها عبر الشهادة التعليمية أيضاً.

الوظائف السهلة والمكتبية في المؤسسات والشركات الكبرى للقطاعين العام والخاص وبرواتب جيدة دون الحاجة لمهارات تذكر، يبدو أنها ستتراجع أكثر في السنوات القادمة في المملكة رغم ما قدمته الرؤية من إصلاحات شاملة وفرص عمل مباشرة وغير مباشرة بمئات الآلاف، ورغم أن المستقبل يدعو إلى التفاؤل بتوفر فرص عمل أكبر ودخل أفضل مع المشاريع الكبرى والإصلاحات الاقتصادية بعيدة المدى ولكن هناك تغيرا في أشكال الأعمال سوف يحدث وسوف يظل الفاقدون للمهارات أو أصحاب المهارات المنخفضة يعانون من عدم قبولهم في الشركات والقطاعات الحكومية الكبرى بسهولة وسوف يظل مسؤولو التوظيف في معاناة مستمرة مع توظيف العاطلين الفاقدين للمهارات مما يعني الحاجة لتغيير ثقافة العمل لدى طالبي العمل وزيادة الاهتمام بتمكين العمل في الشركات الصغيرة والأعمال الخاصة الصغيرة وبدخل قد لا يتوازن مع نمط الحياة المسرف في الاستهلاك وهو ما يؤدي أيضاً للحاجة إلى تغيير نمط الاستهلاك.

لا بد أن ندرك أن هناك فئات من المجتمع وفي أي مجتمع إنساني لا تملك القابلية على تطوير المهارات ولا على الاستمرار في التعلم مهما توفرت لهم فرص التعليم ولا بد أن نسلم بأن المهارة لها مستويات وأشكال لا يمكن في معظم الأحيان تطويرها إلى مستويات أعلى، وسوف نضرب عددا من الأمثلة التي توضح أهمية وشكل المهارة التي تخدم الموظفين في مختلف قطاعات الأعمال.

موظف يتقن استخدام جداول البيانات Excel بكفاءة فوجد فرص عمل في إدارة الموارد البشرية في عدة وظائف منها إدارة القوى العاملة ومنها تقييم الأداء واستمرت فرصه في التقدم الوظيفي بسبب اتقانه لهذه المهارة مدعمة بمهارات أخرى مثل اتقان اللغة الإنجليزية وحسن إدراك متطلبات العمل والتواصل الجيد مع مدراءه وزملاءه ليصبح المسؤول الأول في إدارة القوى العاملة.

موظف يملك مهارة في تصميم الجرافيك فوجد فرص عمل متنوعة منها العمل في الشركات أو فرص في تمويله من قبل الجهات الحكومية لتأسيس مشروعه الخاص أو استمراره بالبيع الشخصي للمتاجر الصغيرة والمتوسطة، وموظف يملك مهارة في صناعة العروض التقديمية عبر تصميمها وكتابتها وتقديم المشاريع بطريقة منهجية وأكثر إقناعاً ليجد فرص عمل في عدة مجالات لإدارة المشاريع والتسويق ومبيعات الشركات والإدارة.

موظف يملك مهارة في الخطابة والتأثير على الجمهور قد تكون مدعمة بمهارات أخرى مثل إتقان اللغة الإنجليزية ليجد فرص عمل في مجالات التدريب والعلاقات العامة والمتحدث الإعلامي، وموظف يملك مهارة الكتابة فوجد فرص عمل في إدارة التواصل والإعلام والاتصالات التسويقية واستمر تقدمه الوظيفي عبر اكتسابه للمزيد من المهارات مثل إتقان أنواع أخرى من الكتابة وإخراج الأعمال المرئية.

تطور المهارات لا يتوقف وحتى الرؤساء التنفيذيون الكبار قد يحصلون على دورات لتطوير مهاراتهم كرؤساء تنفيذيين عبر تطبيق أفضل الممارسات التي أدت لنجاح نظرائهم، وللمهارة مستويات فالمتحدث قد يصل إلى مرحلة إلهام الجمهور، ومن يتقن صيانة الأجهزة قد يصل لمرحلة تصنيعها، ولها أيضاً أنواع فالكاتب قد يكون محترفاً في كتابة الأخبار ولكنه غير متخصص في القصص، ومصمم الجرافيك قد يتقن تصميم الصور ولكنه لا يجيد تصميم الرسوم المتحركة.

على صعيد الأعمال الصغيرة في الأسواق سواء كانت في متاجر التجزئة أو عن بعد فهناك مهارات مثل إقناع العملاء وحسن استقبالهم والتواصل معهم ومهارة الطبخ في المطاعم وتقديم الطعام ومهارة غسيل الملابس وبيع السمك ومهارة البيع في البقالة وهناك مهارات أعلى مثل مهارة الصيدلة والتي تتطلب تعليما متخصصا وتصاريح رسمية لبيع الأدوية وتصل إلى مرحلة العمل في المختبرات وتطور الأدوية.

كل من يبحث عن فرص عمل أو فرص عمل أفضل أو زيادة دخله أو تحسين مساره الوظيفي فلا بد أن يكتشف مهارته التي يبحث عنها السوق ويبحث عن سبل تحسينها وتطويرها، وما هي الشركة أو الإدارة أو الجهة أو العملاء الذين يحتاجون لمهارته ومخرجاتها وكيف يستثمرها ويستفيد منها في زيادة وتحسين دخله، أما الشهادة التعليمية فهي إن لم تكن قاعدة لكسب المهارة فهي لا تصلح إلا للعمل في إعادة تدريسها من جديد فالهدف العملي من الشهادة في سوق العمل هو اكتساب المعرفة بهدف تطبيقها سواء عبر نقلها إلى الآخرين أو تحولها إلى مهارة ذات مخرجات.