نشر موقع الاتحاد العالمي، لما يسمونه علماء المسلمين، مقالاً للدكتور جمال عبد الستار عضو ذلك الاتحاد، والقيادي في جماعة الإخوان ونائب وزير الأوقاف في حكومة الرئيس السابق محمد مرسي، رحمه الله، مقالاً بعنوان: «الإسلام السعودي» واسم المقال وموضوعه صدى لما تُروج له إيران منذ أكثر من أربعين سنة في محاولاتها الخبيثة للتغلغل داخل أهل السنة، حيث إنهم يائسون من انخداع علماء وأتباع المنهج السلفي في السعودية بهم، اتخذوا من هذا اللقب الذي جعله جمال عبدالستار عنوانًا لمقاله، ومن هذه المقولات التي كررها أحد طرق الهجوم على السلفية لعزلهم عن بقية أهل السنة.

كما أن هذا الوصف ذاته: «الإسلام السعودي» استخدمه العلمانيون والليبراليون العرب، ومن تأثر بهم من ليبراليي السعودية، حينما ضاقت أعطانهم بقوة سُلْطَة النص الشرعي التي يستخدمها السلفيون، فلم يجدوا لأنفسهم مخرجًا إلا وصف السلفية بأنها إسلام خاص بالسعودية. إذن فالدكتور جمال هنا ليس إلا مرددًا فكرة صفوية علمانية لم يأت فيها بجديد، كما أنه لم يُحسن حبكها وصياغتها، وأُذَكِّر القارئ الكريم أن رئيس الاتحاد الذي ينتمي إليه جمال عبدالستار، هو الآخر كتب مقالًا قريبًا من هذا العنوان، ويحمل الفكرة ذاتها قبل ثلاث سنوات، ورددتُ عليه في حينه، ولا يَستغرِب ذلك من عرف إستراتيجية خصوم السلفية بشكل عام، وهي تكرار الفكرة ذاتها في كل حين على يد كاتب أو ناطق جديد كلما رأوا أنها بردت ولم تؤتِ المقصود منها.

ومن شكك في كوّن هذا التكالب على المنهج السلفي تعاون مع الإستراتيجية الإيرانية، فعليه أن يسأل هؤلاء الناقدين كم مقالًا كتبوه في نقد التشيع الذي تُرَوِج له إيران في جميع العالم الإسلامي، ويستهدف علاقة الأمة بصحابة نبيها وزوجاته وكتابه وسنة نبيه، فسوف تُفاجأ بأن النتيجة صفر أو قريبًا من الصفر، بل لما تكلم القرضاوي عن إيران وكيدها وتراجع عن مواقفه السابقة تجاهها وقفت الجماعة على لسان مرشدها ضده، ودافعت عن إيران أشد مدافعه.

نعود إلى صلب المقال، وأقول «صُلب» تجوزًا، وإلا فهو مقال لا صلب له ولا حاشية، ولولا مكانة الكاتب في جماعته ما استحق المقال الرد عليه لتهافت مضمونه، فالكاتب يذكر في مقدمة المقال: أن السعودية استخدمت الإسلام لجذب أهل الجزيرة العربية، وأنه بعد الدراسة يقرر أنه منتج خاص بالسعودية يتدثر بالسلفية وما هو من السلفية.

فأقول حقًا السعودية استخدمت الإسلام في جذب الناس وتوحيدهم والتأليف بين قلوبهم وتأمينهم في أنفسهم وأعراضهم ومعاشهم في جزيرة العرب التي لم تعرف قبل السعودية وحدة منذ عهد بني أمية ولا أمنًا، ونحسب هذا بفضل الله تحقيقًا لوعده تعالى لمن عمل صالحًا وَوَحَّدَه في عبادته كما قال تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا»، فالحمد لله على ذلك، وليس العيب في جذب الناس بالإسلام لإصلاحهم وجمع كلمتهم، وإنما العيب في جذب الناس بالإسلام لشق عصاهم وتفريق جماعتهم وإقامة الفتنة بينهم، كما هو حال الجماعات الحزبية، ومنها ولا شك، الحال الراهن لجماعة الإخوان المسلمين.

وقد فهمت من كلام الكاتب هذا أن الإسلام الذي تعمل به السعودية منذ نشأتها بدعة طارئة ليست حتى من البدع التي عرفها المسلمون قديمًا.

وأنا كقارئ للمقال سأطالب الكاتب بأن يحدد لي معالم هذه البدعة، وأدلة مخالفتها للدين من الكتاب والسنة، لا سيما وأنه ذكر أنه وصل لهذه النتيجة بعد الدراسة!

لأننا حين نقرأ كامل المقال نجد أدلته منحصرة في ثلاث نقاط ليس فيها شيء من كتاب أو سنة، ولا منطق ولا عقل صحيح:

الأولى: أن طلابه الأفارقة في الأزهر، كانوا يشتكون له من إخوانهم خريجي الجامعات السعودية؛ لأنهم عنجهيون لا يعرفون أولويات العمل الإسلامي.

والجواب: أن هذا الكلام لا يُحدد معالم هذه البدعة التي افترتها السعودية في الإسلام، وفق زعمه، وإنما هو رواية عن طلابك يشتكون فيها من أخطاء في المعاملة من أبناء بلدانهم، وقد يكون الخطأ عند طلابك، وليس عند من يشتكون منهم، فحكمك بما يُدلي به أحد الخصمين ليس مما عَلَّمَنا إياه القرآن.

لكن السؤال لك أيها الدكتور: لِمَ لَمْ ترشد طلابك هؤلاء إلى القاعدة الإخوانية «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه» أم أن هذه القاعدة لا يصلح أن يُعَامَل بها السلفيون، ولا تصلح إلا في التعامل مع الشيعة وغلاة الصوفية، وعُبَّاد الأضرحة؟

ثُمَّ ما هي أولويات العمل الإسلامي التي يجهلها خريجو الجامعات السعودية من الأفارقة؟ أولوية العمل الإسلامي التي يتعلمها خريجو الجامعات السعودية هي أولوية الأنبياء كلهم دون استثناء، وهي الدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله، وذلك لا يكون إلا بنبذ البدع والخرافات واتباع النبي دون من سواه من المخلوقين؛ فنقد الكاتب لهذه الأولوية نقد لمنهج الأنبياء جميعًا، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فإذا تأسينا به فالملوم من لامنا لا نحن.

الثانية من معالم الابتداع في «الإسلام السعودي» كما يُسميه الدكتور: أن السلفيين في جميع أنحاء العالم يُحبذون اللباس السعودي، ولا يلبسون لباس قومهم!

ما دخل هذا بالمنهج والبدعة في الدين، وهل أمرت السعودية أو أفتى علماؤها بوجوب اللباس السعودي؟ بالطبع: لا، ولكن أولئك أحبوا علماء السعودية وأحبوا لباسهم ففعلوا مثلهم، وهل تَعيب على السعودية أن أحبها طلابها؟ وهل البنطلون والسترة وربطة العنق التي تلبسها كانت لباس قومك؟ لا، ليست لباس قومك، بل هي لباس الإنجليز الكفار الذين احتلوا بلدك ردحًا من الزمن، فلِم تعيب على إخوانك لباسًا عربيًا، ولا تعيب على نفسك لباسًا أوروبيًا، أم يصح لنا أن نسمي إسلامك بالإسلام «الموديرن»، كما أسميت لبس الثياب بالإسلام السعودي!

الثالثة: من معالم الابتداع في الإسلام السعودي عضو اتحاد علماء الإخوان، هي أن السلفيين يقولون بطاعة ولاة الأمور، ويُسَوِّغُون الأمراء أكل أموال الناس بالباطل. أما طاعة ولاة الأمر في العسر واليسر والمنشط والمكره وحرمة الخروج عليهم، وإن جاروا أو ظلموا فنحن، ولله الحمد، نقول بها دينا لله واتباعا لأمر نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأخذًا بما سار عليه الصحابة، رضي الله عنهم، في الأمر بالطاعة والنهي عن الخروج مع قولنا بوجوب النصيحة بالعدل وفق آدابها وشروطها الشرعية، والأحاديث في ذلك كثيرة ليس هنا مكانُ بسطها، مع العلم بأنها ليست من خصوصيات السلفيين، بل يقول بها الأشاعرة والصوفية، فالشاذ عن الأمة هو من يخالفها لا من يقول بها.

مع التذكير بأن الإخوان المسلمين واتحاد علمائهم كانوا يُذكرون بهذه الأحاديث ليل نهار أيام حكم الرئيس مرسي، مما يدل على أن العمل بالنصوص عندهم اختياري، وفق مصلحة الإخوان، فإذا كان الحاكم منهم حرم الخروج عليه وأصبحوا سلفيين، وإذا كان الحاكم من غيرهم أمروا بالخروج عليه وعدوا القول بالطاعة من البدع، كما فعل الدكتور جمال عبدالستار؛ بل إنهم يوجبون الطاعة في المنشط والمكره للمرشد ويبايعونه على ذلك، وهو ليس ولي أمر؛ بل مبايعته بذلك في ظل دولة محكومة حرام باتفاق السلفيين والأشاعرة، ولا يُجيزه إلا المعتزلة والخوارج، ومن وافقهم!

أما ماذكره من تسويغ السلفيين الأمراءَ أكلَ أموال الناس فكذب يُراد به تشكيك الأمة في علمائها، وتهييج الناس على حكامهم بغية الإفساد في الأرض بينهم؛ وإلا فلا أعرف عالمًا سلفيًا أجاز أكل أموال الناس لأمير أو غيره؛ بل حكم الله في ذلك سواء، لكن أخذ الحقوق منوط بولي الأمر وليس إلى الناس، ومن أُخِذ منه شيء فلا يحول بينه وبين القضاء أحد، وأي فساد يحدث من أي كان فإن الدولة عندنا، ولله الحمد، تقوم بواجبها تجاهه، لا فرق في ذلك بين أمير وموظف صغير أو كبير، والأخبار في ذلك تتوالى عن بلادنا للعالم كله، ولا ينكره إلا داع إلى الفتنة.

هذه عيوب السلفية في السعودية، والتي زعم الكاتب أنها منهجية خاصة في فهم الإسلام.

المحصلة: أن المنهج الصحيح هو الذي ينجح في تحقيق مقاصد الشريعة أو أكبر قدر منها، ولا يخفى على منصف أن المنهج السلفي أسهم في إنشاء دولة هي اليوم أعظم دول العالم الإسلامي بأسره، تحقيقًا لمقاصد الشرع من حفظ للدين والنفس والعقل والنسل والمال، من جانبها الضروري والحاجي والتحسيني ومكمل التحسيني، ومكمل مكمل التحسيني، بينما المناهج الأخرى ظلت لا حبيسة الفشل وحسب، بل سببًا في كثير مما يلقاه المسلمون ودعوتهم من متاعب.

ومن مشاكل الإخوان المسلمين أنهم يحاولون تصدير منهجهم الفاشل إلينا في السعودية ليوقعونا في غيابة الفشل الذي أوقعوا فيه أوطانهم، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون.